ويد الله تمسكه فلا يذهب في الأغوار البعيدة التي لا يظهر منها أبداً: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)} [الزمر: 21].
وحياة النبات التي تعقب نزول الماء وتنشأ عنه آية عجيبة من آيات ربك.
وقبول الأرض لهذا الماء وابتهاجها به، وإظهارها زينتها بسببه آية أخرى.
ورؤية النبتة الصغيرة وهي تكشف حجاب الأرض عنها، وتزيح أثقال الركام من فوقها، وتتطلع إلى الفضاء والنور والحرية آية أخرى.
ورؤية النبتة والشجرة، وهي تصعد رويداً رويداً إلى الفضاء آية أخرى.
كل ذلك كفيل بأن يملأ القلب المفتوح ذكرى، وأن يثير فيه الإحساس بالله الخالق المبدع: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)} [الأعلى: 2، 3].
وهذا الزرع المختلف الألوان في البقعة الواحدة .. بل في النبتة الواحدة .. بل في الزهرة الواحدة .. يسقى بماء واحد .. ويخرج من أم واحدة .. إنه معرض لإبداع قدرة الرب تبارك وتعالى.
وهذا الزرع النامي، له أجل وله عمر يبلغ تمامه، ويستوفي أيامه، ثم يهيج فتراه مصفراً، وقد بلغ غايته المقدرة له، فينضج للحصاد، ثم يكون حطاماً، قد استوفى أجله، وأدى دوره، وأنهى دورته مطيعاً نافعاً، كما قدر له واهب الحياة سبحانه، وفي ذلك ذكرى لأولي الألباب والعقول.
وكما ينزل الله الماء من السماء، فيحيي به الأرض بعد موتها، وينبت للعباد به زرعاً مختلفاً ألوانه، كذلك ينزل سبحانه من السماء وحياً وذكراً تتلقاه القلوب الحية فتنفتح وتنشرح، وتغير به بإذن الله وجه الحياة البشرية، بأحسن الأخلاق، والآداب، والعبادات، والمعاملات، والمعاشرات.
وتتلقاه القلوب القاسية فلا تنتفع به، كما تتلقى الصخرة القاسية الماء فلا يؤثر