ولا يقل فتجف الأرض، وتذبل الحياة ويهلك من عليها: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحجر: 21].
فالله أنزل الماء بقدر معلوم، ليحيي به الأرض بعد موتها، ويسقي به العباد والبهائم، وليدل على البعث والنشور.
فالذي أنشأ الحياة أول مرة، كذلك يعيدها سبحانه، والذي أخرج الأحياء أول مرة من الأرض الميتة، كذلك يخرج الأحياء منها يوم القيامة: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)} [الزخرف: 11].
فسبحان من خلق هذه المياه العظيمة، وصرفها في البلاد والعباد، وجعل منها ما يجري في جو السماء، ومنها ما يجري على ظهر الأرض كالأنهار، وما يستكن في باطن الأرض، وما يستقر في البحار، وما ينبع من الأرض.
وسبحان من خلق الماء نوعاً واحداً، وجعل منه الحار والبارد .. والحلو والمر .. والعذب والمالح .. والساكن والجاري .. والسائل والجامد.
ومنه ما يعيش فيه هذا النبات، وهذا الحيوان، ومنه ما لا يعيش فيه إلا هذا النبات وهذا الحيوان، كما في البحار والأنهار.
وسبحان من جعل من هذا الماء بحرين، وجعل فيهما من المنافع والأرزاق والنعم ما لا يحصيه إلا الله، وجعل لكل بحر طبيعة وأحياء لا تعيش إلا فيه، وخلائق ومنافع تحصل منهما معاً: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)} [فاطر: 12].
ومن آيات الله عزَّ وجلَّ، وعجائب مخلوقاته، هذه البحار العظيمة المكتنفة لأقطار الأرض والمحيطة بها، حتى إن المكشوف من الأرض بالنسبة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم، وبقية الأرض مغمور بالماء، فالأرض في البحر كبيت في جملة الأرض.