واجتباهم من أنبيائه ورسله كما قال سبحانه: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة: 38 - 39].
فحماهم الشافي بالمناهي .. وحفظ القوة بالأوامر .. واستفرغ منهم الأخلاط الرديئة بالتوبة .. فجاءت إليهم العافية من كل ناحية.
وتزينت قلوبهم بالإيمان، وتجملت بالتقوى، وتحلت جوارحهم بالطاعات، ورضي عنهم ربهم، وصاروا أئمة في الخير.
ولما سلم لآدم أصل العبودية لم يقدح فيه الذنب، وحين علم اللطيف الخبير أن ذنب عبده لم يكن قصداً لمخالفته، ولا قدحاً في حكمته، علمه كيف يعتذر إليه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} [البقرة: 37].
فآدم - صلى الله عليه وسلم - لم يرد بمعصيته مخالفة سيده، ولا الجرأة على محارمه، ولكنها غلبات الطبع، وتزيين النفس والشيطان، فألهمه الله التوبة، وقبلها منه.
وفي خلق آدم من الطين سر عجيب، فالطين مركب من أصلين:
الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي .. والتراب الذي جعله الله خزانة المنافع والنعم.
وفي ذلك إشارة إلى أن هذا الإنسان يحمل الهدى الذي به حياة العالم، ويحمل الدين الذي كله منافع.
ومن كرامة الله لآدم أن خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وجميع المخلوقات خلقها الله بأمره، فقال لها: كوني فكانت.
ومن كرامته له كذلك أن أسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها دون غيره من الملائكة، ثم جعل فيه الاستعداد للترقي حتى يصبح كالملائكة، أو الهبوط حتى يكون أسفل من الحيوان فيقضي حياته على طريقة الحيوان، من أكل وشرب ولهو ولعب.
والله تبارك وتعالى عزيز حكيم، ما خلق ذرة في الكون عبثاً.