وما أعظم وأمتع تلك اللحظات التي يقضيها الإنسان يتأمل وجوه الخلق وسماتهم وحركاتهم، بعين العابد السائح، الذي يتجول في معرض من إبداع أحسن الخالقين.
ألا ما أعظم الخالق .. وما أعظم صنعه وخلقه.
وما أخطر الجهل .. وما أسوأ الغفلة .. وما أضل من جهل نفسه.
متى يتفكر الإنسان في نفسه؟.
ومتى ينتبه القلب من رقدته؟.
ومتى يؤوب العبد إلى ربه؟.
إن سبب الخسران في الدنيا والآخرة الفكر فيما يفنى، والجهد في غير محله، والجلوس على موائد الشيطان، والإعراض عن موائد الرحمن.
إن الرابح حقاً من حجز المقاعد كلها للدين، الفكر واللسان، والسمع والبصر، والقلب والعقل، والروح والبدن، وبقية الجوارح: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} [الطارق: 5 - 7].
انظر إلى النطفة التي خلقها الله، إنها تحتوي على أكثر من مائة ألف إنسان قابل للحياة في كل دفقة مني من الإنسان.
فسبحان من جمع هذه الخلائق في قطرة ماء مهين ضعيف مستقذر، لو مرت بها ساعة من الزمان فسدت وأنتنت.
وتأمل كيف استخرجها الرب العليم القدير من بين الصلب والترائب، منقادة لقدرته، مطيعة لمشيئته، مع ضيق طرقها، واختلاف مجاريها، إلى أن ساقها إلى مستقرها في الرحم؟.
وتأمل كيف جمع الله عزَّ وجلَّ بين الذكر والأنثى، وألقى المحبة بينهما، وكيف قادهما بسلسلة الشهوة والمحبة إلى الاجتماع، الذي هو سبب تخليق الولد وتكوينه؟.
وكيف قدر سبحانه اجتماع ماء الرجل وماء المرأة، وساقهما من أعماق العروق