آلة للطحن جعلت عريضة، ولما كانت الأسنان آلة للقطع جعلت مستدقة محددة.
ولما كان الإنسان محتاجاً إلى الحركة للتردد في حاجته لم يجعل عظامه عظماً واحداً، بل عظاماً متعددة، وجعل بينها مفاصل حتى تتيسر بها الحركة، وكان قدر كل واحد منه وشكله، على حسب الحركة المطلوبة منه.
وشد سبحانه أسر تلك المفاصل والأعضاء، وربط بعضها ببعض بأوتار ورباطات أنبتها من العظم، وأدخل بعض العظام في بعض، على شكل الذكر والأنثى، فإذا أراد الإنسان أن يحرك جزءاً من بدنه لم يمتنع عليه، ولولا المفاصل لتعذر ذلك عليه.
فسبحان من هذا خلقه، وهذه قدرته، وهذه حكمته، وهذا صنعه.
وتأمل كيف خلق سبحانه الرأس، وكثرة ما فيه من العظام التي تزيد على خمسٍ وخمسين عظماً، مختلفة الأشكال والمقادير والمنافع، وكيف ركبه سبحانه على البدن، وجعله عالياً عليه علو الراكب على مركوبه؟.
ولما كان الرأس عالياً على البدن، جعل فيه الحواس الخمس، وآلات الإدراك كلها، من السمع والبصر والشم والذوق واللمس.
وجعل سبحانه حاسة البصر في مقدمته، ليكون كالطليعة والحرس والكاشف للبدن عما حوله.
وركب العين من سبع طبقات، لكل طبقة وظيفة مخصوصة، لو فقدت طبقة منها، أو زالت عن موضعها، لتعطلت العين عن الإبصار.
ثم وضع سبحانه داخل تلك الطبقات السبع خلقاً عجيباً، وهو إنسان العين بقدر العدسة، يبصر به ما بين المشرق والمغرب، وما بين الأرض والسماء.
وجعله سبحانه من العين بمنزلة القلب من الإنسان، فهو ملكها، وتلك الطبقات والأجفان والأهداب خدم له، وحجاب وحراس.
فتبارك الله أحسن الخالقين.