ولن يجمع الله بين الصنفين في دار واحدة.
فالأول: صعد بشهوته وغضبه إلى أعلى عليين، فهو في الجنة.
والثاني: هبط بهما إلى أسفل سافلين، فهو في النار.
فسبحان من خلق هذا الإنسان من تراب، وجعل نسله من ماء مهين، ووكل بخلقه من هذا الماء ملائكة تنفذ أمره فيه.
فهذه النطفة بمجرد استقرارها في الرحم، تتولاها ملائكة بأمر الله، فتنقسم إلى خلايا يلهمها الله ماذا تفعل؟، وماذا تريد؟.
وكل خلية من هذه الخلايا مكلفة بأمر الله ببناء ركن من أركان هذه العمارة الهائلة، عمارة الجسم الإنساني العجيب:
فتنطلق مجموعة منها لتنشئ بأمر الله الهيكل العظمي .. وأخرى تبني الجهاز الهضمي .. وأخرى تبني الجهاز العصبي .. وأخرى تبني الجهاز الدموي .. وأخرى تبني الجهاز التناسلي .. وأخرى تبني الجهاز التنفسي .. إلى آخر بقية الأركان في العمارة الإنسانية.
وهذه العمارة دقيقة الصنع، عجيبة التركيب، متنوعة الوظائف، وكل خلية مأمورة أن تقوم بنوع معين من العمل في الركن المخصص لها من العمارة.
يأمرها الملك فتنطلق بأمر الله وهي تعرف طريقها، وتعرف إلى أين هي ذاهبة، وما هو مطلوب منها، ولا تخطئ واحدة منها .. ؟
فالخلايا المكلفة أن تصنع العين تعرف أين مكانها، وتعرف أن العين ينبغي أن تكون في الوجه، ولا يجوز أن تكون في البطن أو الظهر أو القدم، مع أنه يمكن أن تنمو في أي مكان.
فمن ترى قال لها إن هذا الجهاز يحتاج إلى عين، في هذا المكان دون سواه.
إنه العلي الأعلى، الذي خلقها وهداها إلى طريقها في المتاهة التي لا هادي فيها إلا الله وحده.
وكما أودع الله في الأرض ودائعً، وبالجهد عليها تظهر هذه الودائع، وتنفع