والهيئات والأحوال، والأوضاع والأشكال، لو وقف لحظة واحدة، لامتلأ قلبه بالإيمان، وفاض بما يغنيه في حياته كلها، ويشغله بالتدبر والتفكر والتأثر ما عاش.
ولا يدرك هذا إلا أهل التقوى، التقوى التي تجعل القلوب سريعة التأثر، سريعة الاستجابة لخالق هذه المخلوقات كما قال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} [آل عمران: 190].
إن الله عزَّ وجلَّ العليم بما خلق، يخاطب الفطرة البشرية بآيات الله الكونية المبثوثة حول الإنسان في هذا الكون، والتي يعلم سبحانه أن بينها وبين فطرة الكائن البشري لغة مفهومة، وإيحاءات مسموعة، تؤدي إلى الإيمان بالله، وهذه من أقوى الأدلة المقنعة للقلب والعقل جميعاً.
أما الجدل فإنه لا يصل إلى القلب، ولا يتجاوز منطقة الذهن الباردة، التي لا تدفع إلى حركة، ولا تؤدي إلى بناء حياة.
ولا تزال دلالة وجود الكون ذاته، ثم حركته المنتظمة، تحاصر الهاربين من الله هنا وهناك، وتردهم إليه: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)} [الذاريات: 47 - 50].
والفطرة البشرية بجملتها قلباً وعقلاً، وحساً ووجداناً، تواجه هذه الدلالة، وتستجيب لها، وتتأثر بها، وتدرك أن خالق هذا الكون هو الحق، وأن ما شرعه هو الحق، وأن وعده هو الحق.
إن بين الفطرة البشرية، وبين هذا الكون الذي نعيش فيه لغة خفية غنية، تسمع لهذا الكون وتعقل عنه.
إن النظر إلى ما في السموات والأرض يمد القلب والعقل بزاد من المشاعر والتأملات .. وزاد من الاستجابات والتأثرات .. وزاد من سعة الشعور بالوجود .. وزاد من التعاطف مع هذا الوجود.