ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ! وَمَنْ يَسْألُنِي فَأُعْطِيَهُ! وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأغْفِرَ لَهُ» متفق عليه [1].
فأين الداعون؟ .. وأين السائلون؟ .. وأين المستغفرون؟.
والله سبحانه أعلم بمن يستحق العطاء ومن يستحق المنع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وإذا أراد سبحانه أن يعطي جزيلاً أعطاه مباشرة، وإذا أراد أن يرزق أقل جعل لذلك سبباً وهو المخلوق والأسباب.
فالعطاء الجزيل لأهل الإيمان والتقوى، والعطاء العام لكافة المخلوقات: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: 96].
وليس الإيمان كلمة تقال .. ولا مشاعر تجيش .. ولا شعائر تقام .. بل هو مع ذلك طاعة الله ورسوله في كل أمر ونهي كما قال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} [آل عمران: 32].
فالإسلام ليس مجرد المعرفة فقط .. ولا المعرفة والإقرار فقط .. بل المعرفة، والإقرار، والانقياد مع المحبة .. وطاعة الله ورسوله ظاهراً وباطناً.
والمؤمن همه العلم والإيمان، وعبادة الله ومحبته، والإنابة إليه، والطمأنينة به، والسكون إليه، وإيثار ما يحبه ويرضاه، ويأخذ من الدنيا بقدر ما يستعين به على الوصول إلى فاطره، لا لينقطع به عنه.
فمن آمن بالله واستقام على دينه .. وقام بحق الله وعبد الله في حال العسر واليسر .. وفي حال الشدة والرخاء .. كفاه الله كل ما يريد .. وحفظه من كل شيطان مريد: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)} [الزمر: 36].
فالكفاية التامة مع الإيمان التام والعبودية التامة .. والناقصة مع الناقصة. [1] متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1145)، ومسلم برقم (758) واللفظ له.