فالتجارة والصناعة والزراعة، والوظائف والمعاملات، والحكم والولايات هي وأصحابها في خطر دائم إن لم يكونوا جميعاً على طريق محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ويقيننا على أي قوة غير قوة الله يسلطها الله علينا، وإذا نزعنا من قلوبنا اليقين على المخلوقات ولم نتأثر بها ولا منها سلب الله قوتها فوراً، وسخرها لنا.
فإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حينما ألقي في النار، لم يتوجه إلى أي مخلوق، وإنما توجه إلى الله طالباً منه النجاة وحده.
فسلب الله الإحراق من النار فوراً، وجعلها برداً وسلاماً عليه.
وموسى - صلى الله عليه وسلم - لما تبعه فرعون وجنوده، ووقف أمام البحر: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} [الشعراء: 61، 62].
فسلب اليقين على ضر الماء والعدو فجاءته نصرة الله، وأنجاه الله ومن آمن معه، وفتح له البحر فعبره ونجا، وعبره فرعون ومن معه فأغرقهم الله.
ويحصل اليقين وكمال الطاعة والعبودية بأمور أهمها:
التوحيد، فيرى الأشياء والأحوال كلها من مسبب الأسباب سبحانه، ولا يلتفت إلى الوسائط، بل يرى الوسائط مسخرة لا حكم لها.
فينزل الوسائط في قلبه منزلة القلم في حق المنعم بالتوقيع، فإنه لا يشكر القلم ولا يغضب عليه، بل يشكر المنعم بالتوقيع.
ومنها الثقة بضمان الله له بالرزق، ومهما غلب على ظنه كان مجملاً في الطلب، ولم يشتد حرصه وشرهه وتأسفه على ما فاته.
ومنها أن يغلب على قلبه أن من يعلم مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، فيقبل على الطاعات، ويجتنب المعاصي.
وذلك يثمر صدق مراقبة الله في الحركات والسكنات، والتحرز من السيئات.
ومنها اليقين بأن الله مطلع عليك في كل حال، ومشاهد لهواجس ضميرك.
وثمرة ذلك أن يكون الإنسان في خلوته متأدباً في جميع أحواله، كالجالس بمشهد ملك معظم، ينظر إليه محترزاً من كل هيئة تخالف هيئة الأدب والوقار،