ربه.
الله سبحانه الذي يعلم بها وحده، ولا يكشف عنها إلا في حينها، ولا يكشف غيره عنها: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)} [الأعراف: 187].
فما أعجب هؤلاء القوم الذين لا يعرفون حقيقة الرسالة، ولا يدركون أدب الرسول في جانب ربه العظيم، الذي لا يسأل ربه عما هو مختص بعلمه، وهؤلاء يسألونه كأنه دائم السؤال عنها، مكلف أن يكشف عن موعدها.
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد الأولين والآخرين، وأعرف الخلق بربه وأفضلهم عنده مكلف أن يعلن للناس أنه أمام غيب الله كله بشر من البشر، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، لأنه لا يطلع على الغيب، ولا يعلم الغايات قبل المذاهب، فما أحسن أدبه، وما أعظم خلقه.
وعند عتبة الغيب تقف الطاقة البشرية، ويقف العلم البشري: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف: 188].
إن أمور الغيب كلها لله .. يكشفها الله إذا شاء .. ويعلم بها من شاء من خلقه .. وليست من شأن العقل.
والجدل حول الغيب عبث عقلي، وإقحام للعقل في غير ميدانه، وذلك سفر في إنفاق الطاقة العقلية في غير ما خلقت له، فمجال إثبات الأمور الغيبية .. ورود النص الشرعي بإثباتها فقط.
فالعين لها طاقة .. والأذن لها طاقة .. والعقل له طاقة.
وما أسفه العقل الذي ينفق طاقته في غير مجاله المأمون، فليكف العقل عما ليس من مجاله، وفوق طاقته، وحينئذ يستريح العقل، بالتسليم لله فيما يعلمه، وما لا يعلمه.