{إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)} [النبأ: 27، 28].
ومن لا يتوقع الحساب في الآخرة يندفع لنيل جميع شهواته بلا معوق من تقوى أو حياء.
والنفس مطبوعة على حب ما يلذ لها، وأن تجده حسناً جميلاً، ما لم تهتد بآيات الله ورسالاته إلى الإيمان بعالم آخر باق بعد هذا العالم الفاني، فإذا هي تجد لذتها في أعمال أخرى، وأشواق أخرى، تصغر إلى جوارها لذات البطون والأجسام.
والله تبارك وتعالى هو الذي خلق النفس البشرية، وجعلها مستعدة للاهتداء إن تفتحت لدلائل الهدى.
وجعلها مستعدة للعمى إن طمست منافذ الإدراك فيها.
ومشيئة الله نافذة وفق سنته التي خلق النفس البشرية عليها في حالتي الاهتداء والضلال.
فالذين لا يؤمنون بالآخرة نفذت فيهم سنة الله، في أن تصبح أعمالهم وشهواتهم مزينة لهم حسنة عندهم، فهم يعمهون لا يرون ما فيها من شر وسوء، حائرون لا يهتدون فيها إلى صواب، وعاقبتهم الخسران وسوء العذاب في الدنيا والآخرة: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)} [النمل: 4، 5].
إن الذين لا يؤمنون بالآخرة يعيشون في عذاب كما يعيشون في ضلال، فالذي يعيش بلا عقيدة في الآخرة يعيش في عذاب نفسي لا أمل له ولا رجاء في إنصاف ولا عدل ولا جزاء ولا عوض عما يلقاه في هذه الحياة.
وفي الحياة مواقف مخيفة، وابتلاءات جسيمة، لا يقوى الإنسان على مواجهتها إلا وفي نفسه رجاء الآخرة، وثوابها للمحسن، وعقابها للمسيء، وابتغاء وجه الله والتطلع إلى رضاه في ذلك العالم الاخر، الذي لا تضيع فيه صغيرة ولا كبيرة.