ومنها: أن نفس اتخاذه عدواً من أكبر أنواع العبودية وأجلها، وهو محبوب للرب، وهم ينالون ثواب مخالفته ومعاداته من ربهم.
ومنها: أن الطبيعة البشرية مشتملة على الخير والشر، والطيب والخبيث وذلك كامن فيها كمون النار في الزناد.
فخلق الشيطان مستخرجاً لما في طبائع أهل الشر من القوة إلى الفعل.
وخلقت الرسل وأرسلت لتستخرج ما في طبيعة أهل الخير من القوة إلى الفعل.
فاستخرج أحكم الحاكمين ما في قوى هؤلاء من الخير الكامن فيها، ليرتب عليه آثاره، وما في قو ى أولئك من الشر، ليرتب عليه آثاره، وتظهر حكمته في الفريقين.
فالملائكة ظنت أن وجود من يسبح بحمده ويقدسه ويعبده أولى من وجود من يعصيه ويخالفه.
فأجابهم سبحانه بأنه يعلم من الحكم والمصالح في خلق هذا الإنسان ما لا تعلمه الملائكة كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} [البقرة: 30].
ومنها: أن ظهور كثير من آيات الله وعجائب صنعه حصل بسبب وقوع الكفر والشرك من النفوس الكافرة الظالمة.
كآية الطوفان .. وآية الريح .. وآية إهلاك ثمود بالصيحة .. وآية انقلاب النار برداً وسلاماً على إبراهيم .. وآية قلع قرى قوم لوط وقلبها عليهم .. وآيات موسى مع فرعون وبني إسرائيل كفلق البحر .. وانفجار عيون الماء من الحجر .. وانقلاب العصا حية، ونحو ذلك.
فلولا كفر الكافرين، وعناد الجاحدين، لما ظهرت هذه الآيات الباهرة.
ومع ظهورها فما أقل من يؤمن بها: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)} [الشعراء: 139، 140].