ومشيئة الله عزَّ وجلَّ هي المرجع الأخير في أمر الهدى والضلال.
فقد اقتضت مشيئة الله أن يبتلي البشر بقدر من حرية الاختيار والتوجه في الابتداء.
وجعل الله سبحانه هذا القدر موضع ابتلاء وامتحان للبشر.
فمن استخدمه في الاتجاه القلبي إلى الهدى، والتطلع إليه، والرغبة فيه، فقد اقتضت مشيئة الله أن يأخذ بيده ويعينه ويهديه سبيله.
ومن استخدمه في الرغبة عن الهدى والصدود عن دلائله وآياته فقد اقتضت مشيئة الله أن يضله ويبعده عن الطريق، وأن يدعه يتخبط في الظلمات.
وإرادة الله وقدره محيطان بالبشر في كل حالة.
فالأمر كله مرهون بمشيئة الله وحده، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهو الذي شاء أن يهدي هؤلاء، لأنهم أخذوا بأسباب الهدى، وهو الذي شاء ألا يهدي هؤلاء، لأنهم لم يأخذوا بأسباب الهدى.
وهو الذي شاء أن يدع للبشر هذا القدر من الاختيار على سبيل الابتلاء.
وهو الذي يهديهم إذا جاءوا للهدى .. وهو الذي يضلهم إذا اختاروا الضلال كما قال سبحانه: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)} [فاطر: 8].
والله سبحانه خالق هذا الكون وما فيه، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، ولا تعارض بين مشيئة الله وقدره، وبين إرادة الإنسان وعمله.
فإذا قيل أن إرادة الله تدفع الإنسان دفعاً إلى الهدى أو الضلال، لم تكن هذه هي الحقيقة الفعلية.
وإذا قيل أن إرادة الإنسان هي التي تقرر مصيره كله، لم تكن هذه هي الحقيقة الفعلية.
بل الحقيقة الفعلية تتألف من نسب دقيقة بين طلاقة المشيئة الإلهية، وبين اختيار العبد واتجاهه الإرادي، بلا تعارض بين هذه وتلك ولا تصادم.