يقوموا بها كما يجب لعظمته وجلال سلطانه.
فلو عذبهم والحالة هذه لكان تعذيباً لحقه، وهو سبحانه غير ظالم لهم فيه، فإن أعمالهم لا توازي القليل من نعمه عليهم، فتبقى نعمه الكثيرة لا مقابل لها من شكرهم وأعمالهم.
فإذا عذبهم الله عزَّ وجلَّ على ترك شكرهم، وترك أداء حقه الذي يجب عليهم، لم يكن ظالماً لهم، فإن المقدور للعبد من الطاعات لا يأتي به كله، بل لابد من فتور وإعراض، وغفلة وتوان، وتقصير وتفريط.
وكذلك قيام المرء بالعبودية لا يوفيها حقها الواجب لها من كمال المراقبة والإجلال والتعظيم لله، وبذل مقدوره كله في تحسين العمل، وتكميله ظاهراً وباطناً، فالتقصير لازم في حال الترك، وفي حال الفعل، وهذا هو السر في كون أعمال الطاعات تختم بالاستغفار.
ولو أتى العبد بكل ما يقدر عليه من الطاعات ظاهراً وباطناً، فالذي ينبغي لربه فوق ذلك، وأضعاف أضعافه، فإن عجز عنه لم يستحق ما يترتب عليه من الجزاء، فإذا حرم جزاء ما لم يأت به مما يجب لربه لم يكن الرب ظالماً له.
فإذا عطاه ربه الثواب، كان مجرد صدقة منه وفضل ورحمة، لا عوضاً عن عمله، والعبد مملوك لا يستحق شيئاً على سيده، فإن أعطاه شيئاً فهو إحسان منه وفضل.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أحَداً عَمَلُهُ الْجَنَّةَ». قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لا، وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ الْمَوْتَ: إِمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ أنْ يَزْدَادَ خَيْراً، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعْتِبَ» متفق عليه [1].
والرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى الإنسان وإن كرهتها نفسه [1] متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5673) واللفظ له، ومسلم برقم (2816).