نام کتاب : مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين نویسنده : سليمان الأشقر، عمر جلد : 1 صفحه : 385
ووضّح الغزالي هذا في الإحياء، فقال: "النية إنما مبدؤها من الإيمان، فالمؤمنون يبدأ لهم من إيمانهم ذكر الطاعة، فتنهض قلوبهم إلى الله من مستقر النفس، فإن قلوبهم مع نفوسهم، وذلك النهوض هو النية"، ثم بيّن أنَّ أقواما لا يحتاجون إلى النيّة، لأنهم صاروا إلى حال فوق ذلك، فقال: "وأهل اليقين جاوزوا هذه المنزلة، وصارت قلوبهم مع الله مزايلة لنفوسهم بالكليّة، ففرغوا من أمر النيّة، إذ هي النهوض، فنهوض القلب من معدن الشهوات والعادات إلى الله تعالى بأن يعمل طاعة وهو بنية، والذي صار قلبه في الحضرة الأحديَّة مستغرقا محال أن يقال نهض إلى الله في كذا وهو ناهض بجملته مستغرق في جزيل عظمته، قد رفض ذلك الوطن الذي كان موطنه وارتحل إلى الله" [1].
وهذا الذي نقلناه عن هؤلاء يحتاج إلى تمحيص وبيان.
هل يمكن العمل بدون إرادة:
الأمر الأول الذي يحتاج إلى تمحيص هو دعوى إمكان العمل بغير إرادة، هل يمكن ذلك؟ لقد تخيّل بعض النَّاس أن ذلك ممكن، وظنُّوا أنَّ كمال العبد ألّا تبقى له إرادة أصلا، ولعل السب في خطئهم أنهم لم يثسعروا بإرادتهم لفرط تعبدهم، فالإرادة شيء، والشعور بها شيء آخر، فلما لم يشعروا بها ظنوا انتفاءها، وهذا غلط، فالعبد لا يتصور أن يتحرك إلا عن إرادة وهمّ.
وقد يريد بعض العباد والسالكين بالتجرد عن الإرادة قصد الله وحده والتوجه إليه دون سواه، والفناء في ذلك بحيث لا يشهدون سواه، ويسمّون هذا (الفناء عن شهود السوي)، وواقع الأمر أنَّ شدّة انجذاب قلوبهم إلى ذكر الله وعبادته ومحبته سبَّب للقلوب ضعفا عن أن تشهد غير ما تعبد، وترى غير ما تقصد، فلا يخطر بقلوبهم غير الله، كما قيل في قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [2] قالوا: فارغا من كل شيء إلا من ذكر [1] إحياء علوم الدين. [2] سورة القصص/ 10.
نام کتاب : مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين نویسنده : سليمان الأشقر، عمر جلد : 1 صفحه : 385