نام کتاب : فصول في الثقافة والأدب نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 130
فلا تدلّ على غير ما قلت، لأن القمر إذا كان في السماء الدنيا فهو في السماوات كلها، كما لو كانت جوهرة في علبة، وهذه العلبة في علبة أخرى، والثانية في ثالثة، فقلتَ إن في هذه العلبة جوهرة. والآيتان الأوْلَيان أصرح، ولا يُترَك الدليل القطعي لدليل محتمَل [1].
ولمّا صعدوا إلى القمر أنكر ذلك بعضُ المشايخ ونسوا أنه كان علينا -نحن المسلمين- أن نسبقهم في الوصول إلى القمر، لأن ديننا دين علم، ولأن أول كلمة من كتابنا كانت كلمة {اقْرَأ} وأول تمجيد فيه لله أنه {عَلّمَ بالقَلَمِ، عَلّمَ الإنْسَانَ ما لَمْ يَعْلَم}، وأن الله أعطانا عقولاً تفكّر وقال لنا: {انْظُرُوا مَاذا في السَّماواتِ وَالأرْضِ}. وظنوا أن القمر في السماء وأن السماء لا يمكن أن يبلغها أحد، واستندوا إلى أحاديث رُويت ولا تفيد العلم، ونسوا أن الله يقول في القرآن: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَينِ وَأَوْحَى في كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا، وَزَيَّنّا السّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابيح}، وبيّن في الآية الأخرى (والقرآن يفسّر بعضُه بعضاً): {إنّا زَيَّنّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزينَةٍ الكَواكِبَ}؛ فالله قد جعل السماء سقفاً محفوظاً وجعل الكواكب مصابيح، والمصابيح إنما تكون تحت السقف.
وإذا نحن وصلنا إلى القمر والمريخ، بل والشمس، فأين القمر والمشتري والشمس من السماء؟ إذا كان بعد الشمس عنا كبعد إبهامك عن خنصرك تكون السماء أبعد عنك من أميركا بملايين الملايين من المرات! [1] قالوا: الدليل إذا تطرّق إليه الاحتمال امتنع به الاستدلال.
نام کتاب : فصول في الثقافة والأدب نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 130