نام کتاب : فصول في الثقافة والأدب نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 79
أربعة آلاف في جنب مصر وملك مصر؟ ولو أطبق عليهم أهلها بأجسادهم لطحنوهم، ولو ضاربوهم بالحجارة لقتلوهم، ولو حصروهم من بعيد لأهلكوهم. ولكن أربعة آلاف فتحت مصر، فتحتها بعبقرية قائدها، فتحتها بخلائقها وبإيمانها. ومَن كان معه الإيمان لا يقف له شيء.
ولقد فتح مصرَ من قبله فاتحون، العرب (الهكسوس) أبناء الجزيرة، والفرس، واليونان، والروم، فكان في مصر غالبون ومغلوبون، غرباء حاكمون ومصريون محكومون، ولبث الفتح ما لبثت القوة، فلما زالت زال وعادت البلاد لأهلها. فلما فتحها عمرو صارت لقومه إلى آخر الدهر.
ولقد دأب الروم -وهم آخر من حكمها- عاملين بالترغيب والترهيب، يستخدمون العطايا والمنايا لحمل المصريين على مذهب في النصرانية غير مذهبهم، فما استطاعوا، وهم جميعاً أهل دين واحد، واستطاع عمرو أن يُدخلهم بطوعهم ورضاهم في الإسلام، فيكونوا هم أهله وتكون بلدهم بلده.
وهذه هي طريقة الفاتحين المسلمين، لم ينقلوا الإسلام إلى البلاد التي فتحوها ولكن نقلوا أهلها إلى الإسلام [1]: أراهم فضله وأذاقهم عدله، أعطاهم الحرية في عباداتهم، وأعاد لهم بطريركهم بنيامين الذي طرده الروم، ورفع المظالم عنهم، ومنع بعضهم أن يستعبد بعضاً، وحفر لهم الخليج في سنة واحدة، [1] الكلمة لشيخ الإسلام ابن تيميّة، وقد كنت عقدت عليها فصلاً في «الرسالة» في السنة الماضية.
نام کتاب : فصول في الثقافة والأدب نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 79