تذكر الإنسان بها نشأته الأولى وبداية خلقه، إذ ولادته كطلوع الشمس، ونشوؤه كارتفاعها، وشبابه كوقوفها عند الاستواء، وكهولته كميلها للزوال، وشيخوخته كقربها للغروب، وموته كغروبها، وفناء جسمه كانمحاق أثرها وهو الشفق الأحمر، فوجبت حينئذ صلاة العشاء، تذكيرا له بذلك، كما أن كمال خلقته في بطن أمه وتهيئته للخروج كطلوع الفجر، الذي هو مقدمة لطلوع الشمس المشبهة بالولادة، فوجبت صلاة الصبح حينئذ تذكيرا بذلك أيضا.
وكأن حكمة كون صلاة الصبح ركعتين تكمن في بقاء كسل النوم لهذا خففت، أما كون صلاة الظهر أربعا والعصر أربعا فلتوفر النشاط عند وقتهما، لأن وقتهما وقت أعمال وتعاطي أسباب اكتساب المعيشة، وكان حكمة جعلهما أربعا أربعا فلما في جسم الإنسان من الأخلاط الأربعة وهي / الصفراء، والسوداء، والدم، والبلغم، فجعل لكل من ذلك في حال النشاط ركعة لتصلحه وتعدله، وكانت المغرب ثلاثا لأنها وتر النهار، كما جاء في الحديث "المغرب وتر النهار فأوتروا صلاة الليل" [1] فتعود بركة الوترية على المصلي، "إن الله تعالى وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن" [2] وألحقت العشاء بالعصرين - في كونها أربعا - لينجبر نقص الليل عن النهار، اذ فيه فرضان فقط، وفى النهار ثلاثة فروض، لكون النفس في النهار أقوى على الحركة [1] أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر. [2] أخرجه الترمذي عن علي، وابن ماجة عن ابن مسعود.