نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 18
يموت فيّ شخص ويولد شخص جديد، والميت أنا والمولود أنا. خلايا جسدي تتجدد كلها كل بضع سنوات حتى لا يبقى منها شيء مما كان [1]. عواطف نفسي تتبدّل، فأحب اليوم ما كنت أكره بالأمس وأكره ما كنت أحبّ. أحكام عقلي تتغير، فأصوّب ما كنت أراه خطأ وأخطّئ ما كنت أجده صواباً.
فإذا كانت خلايا الجسد تتجدّد، وعواطف النفس تتغير، وحكم العقل يتبدّل، فما هو العنصر الثابت الذي لا يتبدّل ولا يتغير؟ أقول: "قال لي عقلي" و"قلت لنفسي"، فمَن أنا -إذن- إذا كان عقلي غيري فأقول له وكانت نفسي غيري فتقول لي؟
العنصر الثابت الباقي هو الذي لا ينقص إن قُطع عضو من أعضائي ولا يموت إن متّ، بل يبقى حياً يحاسَب، فيكافَأ أو يعاقَب. هذا العنصر هو «أنا» الحقيقي، وهو شيء من غير عالمنا الأرضي فلا تنطبق عليه قوانين علومنا الأرضية، هو الروح [2].
هذا تفسير قولي إن من تعوّد أن يكتب كل يوم في هذا الدفتر وجد فيه يوماً نفسَه التي فقدها.
قلت إني أدوّن ذكريات لا أكتب مذكّرات. أنا لا أستطيع أن أكتب قصة حياتي متسلسلة مرتّبة لأني أعتمد على ذاكرة فقدَت حِدّتها وأبلت الأيامُ جِدّتَها، فقد أنسى الحادثة في موضعها ثم [1] وإن كانت خلايا الدماغ -كما قالوا- أطول بقاءً وأقلّ تبدّلاً. [2] هذه المعاني أفضتُ فيها موسَّعة في كتبي وفي أحاديثي في الإذاعة والرائي (أي التلفزيون).
قلت: انظر «تعريف عام بدين الإسلام» ص21 - 22 (مجاهد).
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 18