نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 190
غرفتها. وكان عمل الدار مقسّماً بين نسائها، لكل واحدة يوم في الأسبوع أو يومان أو ثلاثة، تبعاً لكثرتهن أو قلّتهن. وإذا اجتمعوا عند الجدّ قعدوا متأدبين خاشعة أصواتهم، لا يخالفون له أمراً ولا يجرؤون عليه بطلب ولا يبدؤونه بحديث، بل إنني سمعت من أبي (كما سمعت عنه من أصحابه بعد وفاته) أنه لا يعرف ما لون عينَي أبيه لأنه لم يرفع بصره إليه قط.
ولست أحبّذ هذا الذي أصفه ولا أرى أنه هو الصواب، ولكن أذكر ما كان. أما الذي أحبّذه وأرجو أن نحافظ عليه، فهو ألاّ ننسى أن ابن العمّ أجنبي عن ابنة عمّه، ولو جمعتهما الدار الواحدة، وأنه إن جاز (عند الحاجة) أن تشاركه مجلسَ الأسرة فلا يجوز في دين الله أن تكشف أمامه عن أكثر من الوجه والكفين ولا أن تنفرد به، وعليه أن يغضّ عنها بصره وتغضّ هي بصرها.
وكانت تقع الخصومات وتحدث المشكلات بين أطفال هذه المجموعة فتنتقل إلى الأمهات، وقد يشارك فيها الآباء. وهذا شيء ما منه بد حتى لو انفرد الرجل بزوجته وولده. ولو خلت دار من مثل هذه المشكلات لخلت منها أشرف دار قامت على ظهر هذه الأرض، دار رسول الله عليه صلاة الله، فقد كانت فيها أشياء منها.
ولكنها كانت كاصطدام الغصن بالغصن في الدوحة الباسقة والموجة بالموجة في البحيرة الصافية، وأصلُ الشجرة واحد وماء البحيرة واحد، ولكنها ريح الصبا هبّت في الأصيل فأزاحت الملل وجاءت بالأمل. وهل الحياة إلاّ الحركة، وهل في الحركة غالباً
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 190