responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي    جلد : 1  صفحه : 233
فيها، لأن الشمس لا تدخلها أبداً، والدار التي لا تدخلها الشمس في الشام لا يخرج منها الطبيب.
أمّا ماؤها فمن نهر «تورا»، ثاني أبناء بردى، ولكنه يأتي في ساقية مكشوفة تمشي ستة أكيال قبل أن تصل إليها، يُلقي فيها مَن شاء ما شاء. لا أقول إن ماءها ملوَّث لأن كلمة ملوّث أنظف من مائها، فماذا أقول عنه؟
تدخل من الباب إلى ساحة صغيرة أرضها من «العدَسة» لا من البلاط ولا الحجارة، فيها غرفتان إذا دخلتَهما في ساعة الظهيرة من تموز (يوليو) أحسست بالرطوبة وشممت ريح العفن، جدرانها من الطين مملوءة بالبقّ. وقد باد البقّ الآن ولم يبقَ له أثر، وهو حيوان صغير، حشرة حمراء كأنها كيس صغير لها رأس وأرجل تمشي عليها، إذا كانت جائعة رأيتها قشرة رقيقة بسُمْك ورق الكتابة، فإذا مسّت جسدَ الإنسان مصّت دمه فتمتلئ بالدم الأحمر.
هذه هي الدار التي استأجرها لنا عمي [1]. لم نحمل إليها من الفرش إلاّ شيئاً لا يستغني أحد عن مثله، ممّا لم يشترِه أحد من فرش دارنا التي بيعت لوفاء الديون. فكنا نفرش حصيراً على الأرض وفوقه بساط وفراش رقيق، وكان إخوتي ينامون على هذا

[1] اقرؤوا -إن شئتم- المقالة البليغة المؤثّرة «جواب على كتاب» في كتاب «من حديث النفس»، وفيها وصف تلك الدار وحياة جدي وأمه وإخوته فيها، ثم لا يتردّدْ منكم أحدٌ أن يُخرج من جيبه منديلَه فيمسح ما انساب من دمعه على وجنتيه (مجاهد).
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي    جلد : 1  صفحه : 233
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست