نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 253
ساعته. حتى سمع أذان المغرب من بعيد، فقال لها: أين المؤذّن؟ لماذا لا يؤذّن وقد دخل الوقت؟ هل أنت بنته؟
فسكتَت. فانتظر قليلاً ثم قال: يا بنتي المغرب غريب لا يجوز تأخيره، وما أرى أحداً هنا، فإن كنت متوضئة فصلي ورائي تكُن جماعة. وأذّن، وأراد أن يُقيم وهو لا يلتفت إليها، فلما لم يحسّ منها حركة قال: ما لك؟ ألست على وضوء؟
فاستيقظ إيمانها دفعة واحدة، ونسيَت ما هي فيه وعادت إلى أيامها الخوالي، أيام كانت فتاة عفيفة طاهرة بعيدة عن الإثم، وراحت تبكي وتنشج، ثم ألقت بنفسها على قدميه. فدُهش ولم يدرِ كيف يواسيها وهو لا يريد أن ينظر إليها أو أن يمسّها.
وقصّت عليه قصتها، ورأى من ندمها وصحّة توبتها ما أيقن معه صدقها فيها، فقال: اسمعي يا ابنتي ما يقوله رب العالمين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، {قُلْ يا عِباديَ الذينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهم لا تَقْنَطوا مِن رَحْمةِ الله، إنّ اللهَ يغفِرُ الذّنوبَ جَميعاً}. جميعاً يا ابنتي، جميعاً. إن باب التوبة مفتوح لكل عاصٍ، وهو واسع يدخلون منه فيتّسع لهم مهما ثقل حملهم من الآثام، حتى الكفر؛ فمن كفر بعد إيمانه ثم تاب قبل أن تأتيه ساعة الاحتضار وكان صادقاً في توبته وجدّد إسلامه فإن الله يقبله. الله يا ابنتي أكرم الأكرمين، فهل سمعت بكريم يغلق بابه في وجه من يقصده ويلجأ إليه معتمداً عليه؟ قومي اغتسلي والبسي الثوب الساتر، اغسلي جلدك بالماء وقلبك بالتوبة والندم، وأقبلي على الله. وأنا منتظرك هنا، لا تبطئي لئلا تفوتنا صلاة المغرب.
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 253