نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 255
أطرافه ويكشف أسراره ويُظهِر خفاياه بأجود عبارة وأحسن إلقاء، يحشد ما لا مزيد عليه من الأدلة والشواهد، فلا يحرّك شعرة مني ولا يثير فيّ ذرّة من خشوع. وأسمع من راكب في الحافلة أو ماشٍ في الطريق جملتين ما فيهما فكر ولا بيان، فتصلان مني إلى أعماق القلب وتثيران فيه مكامن الخشوع، وربما أسالتا عينيّ بالدمع.
فما السبب؟ السبب أن محاضرة الأول خرجت من عقله ولسانه، وكلمةَ الثاني صدرت عن قلبه، والذي يخرج من القلب يدخل القلب والذي خرج من اللسان لم يجاوز الآذان.
وشيخنا الشيخ أبو الخير الميداني كان من أرباب القلوب، لا أعني قلوب العشاق بل قلوب المؤمنين، المتصلة أبداً بالله الحاضرة مع الله. وكان فوق ذلك محبوباً، لا يستطيع أحد أن يكرهه لأنه لا يؤذي أحداً. كان ليّن العريكة حلو الشخصية، رضيّاً لا يَغْضَب من أحد ولا يُغْضِب أحداً. كانت له نفس شفّافة. إذا أنت قعدت وراء الجدار حجب عنك ما بعده فلا تراه، ولكن إن كان الجدار من بلّور حماك من البرد والمطر ولم يحجب منك النظر، وهذا مثال نفس الشيخ.
كان نقشبندياً، والنقشبندية أقرب الطرق إلى الاعتدال وأبعدها عن المخالفات، ولمّا نُقلتُ إلى كركوك في العراق مدرّساً قبيل الحرب العالمية الثانية لقيت كثيراً من مشايخها من الأكراد، منهم الشيخ علاء الدين ومنهم الملا أفندي، وكدت أتلقى الطريقة يوماً من أحد مشايخها الكبار وهو الشيخ أبو النصر
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 255