نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 270
أفليس هذا عجيباً؟ نجهل أسماء أبطالنا المجاهدين ونحفظ أسماء المجرمين المفسدين، فهل كان ذنب حسن الخراط أن ظهر في أمّة لا تقدّر أبطالها ولا تنصف رجالها؟
حسن الخراط حارس ليلي، خفير من خفراء البلد كان عمله أن يحرس بيوتها من اللصوص، فلما رأى لصوصاً أخطر وشرهم أكبر قد سرقوا البلد كله نهض مع مَن نهض من الثوار يحمي الذمار ويمحو العار.
وقف مع إخوانه الذين باعوا نفوسهم لله لمّا أعلن أنه اشتراها من المؤمنين. وقف في وجه فرنسا يوم كانت فرنسا تملك أقوى جيش برّي في العالَم، يوم خرجت من الحرب ظافرة على هامتها غارُ النصر، يوم اقتسمت هي وزميلتها إنكلترا، عفواً بل بريطانيا العظمى التي لم تكُن تغيب عن أملاكها الشمس في القارات الخمس، فانكمشت وتضاءلت ورجعت إلى حقيقتها وانزوت في ركن من جزيرتها، فلم تعُد تطلع عليها الشمس إلاّ بضعة أيام على طوال العام. اقتسمتا بلاد الله على كُره أهلها، فأخذت فرنسا جانبَين من جوانب البحر الذي كان يُقال له يوماً بحر العرب، وكان العرب بل كان المسلمون يملكون جوانبه كلها إلاّ الأقل منها.
أخذت المغرب والجزائر وتونس، والشام (ولبنان من الشام)، وأخذ الإنكليز مصر وجنوبي الشام، أي فلسطين (وفلسطين من الشام). ولم تبقَ في ديار المسلمين بقعة لم يصل إليها الاستعمار إلاّ هذه الجزيرة، فقد حام حولها ولم يَلِجها ومد أصابعه إليها ولم يرفع علمه عليها.
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 270