بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورِّع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري [1] في أعراض الأحياء والأموات، ولا يُبالي ما يقول! " [2] اهـ.
وقد كان السلف الصالح - رحمهم الله - يحاسب أحدهم نفسه في قوله: يوم حار، ويوم بارد. ولقد رُؤيَ بعض الأكابر من أهل العلم في النوم فسُئل عن حاله؟ فقال: أنا موقوف على كلمةٍ قلتُها؛ قلتُ: ما أحوجَ الناسَ إلى غيث!، فقيل لي: وما يدريك؟ أنا أعلم بمصلحة عبادي [3].
وليُعلم أن أيسر حركات الجوارح حركة اللسان، وهي أضرها على العبد. وما أكثر الأحاديث والآثار الواردة في التحذير من آفات هذه الآلة الخطيرة، في كل الأوقات عمومًا، وفي زمن الفتن والمحن خصوصًا.
فمما ورد في التحذير من آفات اللسان عمومًا: سؤال معاذٍ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن العملِ الذي يدخله الجنة ويباعده من النار، فأخبره برأسه وعموده وذروة سنامه، ثم قال: "ألا أخبرك بمِلاك [4] ذلك كله؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: "كُفَّ عليك هذا"، [1] يقال: فَرَى الجلدَ: مزَّقه.
(2) "الداء والدواء" ص (187، 188).
(3) "المصدر نفسه"، ص (280). [4] مِلاك الشيء: قِوامه، ونظامه، وما يُعتمد عليه فيه.