المبحثُ الثاني عشر
نذير الموت
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - - فَقَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً» أخرجه البخاري (1)
قال ابن بطال رحمه الله: أى أعذر إليه غاية الإعذار، الذى لا إعذار بعده، لأن الستين قريب من معترك العباد، وهو سن الإنابة والخشوع والاستسلام لله تعالى وترقب المنية ولقاء الله تعالى فهذا إعذار بعد إعذار فى عمر ابن آدم، لطفًا من الله لعباده حين نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم، وأعذر إليهم مرة بعد أخرى، ولم يعاقبهم إلا بعد الحجج اللائحة المبكتة لهم، وإن كانوا قد فطرهم الله تعالى على حبّ الدنيا وطول الأمل، فلم يتركهم مهملين دون إعذار لهم وتنبيه، وأكبر الإعذار إلى بنى آدم بعثه الرسل إليهم (2)
ومعنى الحديث: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مُدَّ في عمري لفعلت ما أمرت به، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له، فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة، والإقبال على الآخرة بالكلية، ونسبة الإعذار إلى الله مجازية، والمعنى أن الله تعالى لم يترك للعبد سبباً في الاعتذار يصلح لأن يتمسك به ... (3)
وقَالَ مُجَاهِدٌ: " مَا مِنْ مَرَضٍ يَمْرَضُهُ الْعَبْدُ إِلَّا رَسُولُ مَلَكِ الْمَوْتِ عِنْدَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ مَرَضٍ يَمْرَضُهُ أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ: أَتَاكَ رَسُولٌ بَعْدَ رَسُولٍ فَلَمْ تَعْبَأْ بِهِ، وَقَدْ أَتَاكَ رَسُولٌ يَقْطَعُ أَثَرَكَ مِنَ الدُّنْيَا " أخرجه أبو نعيم في الحلية (4)
ومعنى الحديث: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مُدَّ في عمري لفعلت ما أمرت به، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له، فلا ينبغي له
(1) - 11/ 238 (6419).
(2) - شرح ابن بطال - (ج 19 / ص 202)
(3) - راجع الفتح 11/ 240
(4) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (4243) 3/ 291 والفيض القدير (3844) وهو بلسان الحال لا المقال.