واتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة، إلى الله تعالى مساق العباد يوم القيامة: إما إلى الجنة وإما إلى النار.
عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَىَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّىَ فِى بَيْتِى وَفِى يَوْمِى، وَبَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِى وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ آخُذُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ - فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِى الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ». ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ «فِى الرَّفِيقِ الأَعْلَى». حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. أخرجه البخاري (1)
الموتُ: هو مفارقةُ الروح للجسد، ولا يحصلُ ذلك إلا بألمٍ عظيمٍ جداً، وهو أعظمُ الآلام التي تُصيب العبد في الدُّنيا، قال عمر لِكعبٍ: أخبرني عن الموت، قال يا أميرَ المؤمنين، هو مثلُ شجرةٍ كثيرةِ الشَّوك في جوف ابنِ آدم، فليس منه عِرقٌ ولا مَفْصِل إلا ورجل شديد الذراعين، فهو يعالجها ينْزعها، فبكى عمر.
ولما احتضر عمرو بنُ العاص سأله ابنُه عن صفة الموت، فقال: والله لكأنَّ جنبيَّ في تخت، ولكأنِّي أتنفَّسُ من سمِّ إبرة، وكأن غُصنَ شوكٍ يُجَرُّ به من قدمي إلى هامتي.
وقيل لرجل عندَ الموت: كيف تجدُك؟ فقال: أجدني أُجتذب اجتذاباً، وكأنَّ الخناجرَ مختلفة في جوفي، وكأنَّ جوفي تنُّور محمىًّ يلتهِبُ توقداً.
وقيل لآخر: كيف تَجِدُكَ؟ قال: أجدني كأنَّ السماوات منطبقةٌ على الأرض عليَّ، وأجد نفسي كأنَّها تخرجُ من ثقب إبرة.
(1) - برقم (4449 و6510) و الفتح و 6/ 16 و 8/ 133