وهذا الشرط يرد عليه ما يرد على الشرط الرابع من أن مخالطة هؤلاء في صفوف الصلاة لا تسقط الجماعة، وفي الصحيحين [1] من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك وهجر النبي - صلى الله عليه وسلم - له ولصاحبيه وقال: أما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ... ولم يكن ذلك عذرًا لأحد في التخلف عن صلاة الجماعة مع أن كعبا يشهدها وهو مهجور من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، إلا أن يقيد ذلك بمن يحصل منه ضرر أو يقال إن الداعي لما جمع في مجلس الدعوة من يشرع هجره أسقط حقه في وجوب الإجابة وبقي الجواز بخلاف صلاة الجماعة، فهي حق لله تعالى تجب على الجميع إلا من كان معذورًا والله أعلم.
قال ابن الجوزي: إذا كان في الضيافة مبتدع يتكلم ببدعته لم يجز الحضور معه، إلا لمن يقدر على الرد عليه، وإن لم يتكلم المبتدع جاز الحضور معه مع إظهار الكراهية له والإعراض عنه، وإن كان هناك مضحك بالفحش والكذب لم يجز الحضور ويجب الإنكار فإن كان مع ذلك مزح لا كذب فيه ولا فحش أبيح ما يقل من ذلك، فأما اتخاذه صناعة وعادة فيمنع منه [2].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وأما إن كانوا فساقًا لكن لا يأتون بمحرم ولا مكروه لهيبة في المجلس، فيتوجه أن يحضر إن لم يكونوا ممن يهجرون مثل المستترين [3]. [1] البخاري في صحيحه (4/ 1603 رقم 4156) كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك. ومسلم في صحيحه (4/ 2120 رقم 2769) كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه. [2] الآداب الشرعية (1/ 295 - 296). [3] الإنصاف (8/ 319).