نام کتاب : وقفات على الطريق نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 134
وعلى كل ما عرف من طغيان فرعون، فقد كان في تصرفه هذا أقل طغيانا من طواغيت كثيرة في القرن العشرين في مواجهة دعوة الدعاة إلى ربوبية رب العالمين! وتهديد السلطان الباطل بهذه الدعوة الخطيرة!
ويطوي السياق القرآني إجراء فرعون وملئه في جمع السحرة من المدائن ويسدل الستار على المشهد الأول،ليرفعه على المشهد التالي .. وذلك من بدائع العرض القرآني للقصص، كأنه واقع منظور، لا حكاية تروى ([1])!
«وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ، قالُوا: إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ؟ قالَ: نَعَمْ، وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» .. إنهم محترفون ... يحترفون السحر كما يحترفون الكهانة! والأجر هو هدف الاحتراف في هذا وذاك! وخدمة السلطان الباطل والطاغوت الغالب هي وظيفة المحترفين من رجال الدين! وكلما انحرفت الأوضاع عن إخلاص العبودية للّه، وإفراده - سبحانه - بالحاكمية وقام سلطان الطاغوت مقام شريعة اللّه، احتاج الطاغوت إلى هؤلاء المحترفين، وكافأهم على الاحتراف، وتبادل وإياهم الصفقة: هم يقرون سلطانه باسم الدين! وهو يعطيهم المال ويجعلهم من المقربين! ولقد أكد لهم فرعون أنهم مأجورون على حرفتهم، ووعدهم مع الأجر القربى منه، زيادة في الإغراء، وتشجيعا على بذل غاية الجهد .. وهو وهم لا يعلمون أن الموقف ليس موقف الاحتراف والبراعة والتضليل إنما هو موقف المعجزة والرسالة والاتصال بالقوة القاهرة، التي لا يقف لها الساحرون ولا المتجبرون!
ولقد اطمأن السحرة على الأجر، واشرأبت أعناقهم إلى القربى من فرعون، واستعدوا للحلبة .. ثم هاهم أولاء يتوجهون إلى موسى - عليه السلام - بالتحدي .. ثم يكون من أمرهم ما قسم اللّه لهم من الخير الذي لم يكونوا يحتسبون، ومن الأجر الذي لم يكونوا يتوقعون: «قالُوا: يا مُوسى، إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ .. قالَ: أَلْقُوا» ..
ويبدو التحدي واضحا في تخييرهم لموسى. وتبدو كذلك ثقتهم بسحرهم وقدرتهم على الغلبة .. وفي الجانب الآخر تتجلى ثقة موسى - عليه السلام - واستهانته بالتحدي: «قالَ أَلْقُوا» .. فهذه الكلمة الواحدة تبدو فيها قلة المبالاة، وتلقي ظل الثقة الكامنة وراءها في [1] - يراجع بتوسع فصل: «القصة في القرآن» في كتاب: «التصوير الفني في القرآن». «دار الشروق».
نام کتاب : وقفات على الطريق نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 134