نام کتاب : وقفات على الطريق نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 136
ولكن المفاجأة لم تختم بعد. والمشهد ما يزال يحمل مفاجأة أخرى .. مفاجأة كبرى ..
«وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ. قالُوا: آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ» .. إنها صولة الحق في الضمائر. ونور الحق في المشاعر، ولمسة الحق للقلوب المهيأة لتلقي الحق والنور واليقين ..
إن السحرة هم أعلم الناس بحقيقة فنهم، ومدى ما يمكن أن يبلغ إليه. وهم أعرف الناس بالذي جاء به موسى إن كان من السحر والبشر، أم من القدرة التي وراء مقدور البشر والسحر. والعالم في فنه هو أكثر الناس استعدادا للتسليم بالحقيقة فيه حين تتكشف له، لأنه أقرب إدراكا لهذه الحقيقة، ممن لا يعرفون في هذا الفن إلا القشور .. ومن هنا تحول السحرة من التحدي السافر إلى التسليم المطلق، الذي يجدون برهانه في أنفسهم عن يقين ..
ولكن الطواغيت المتجبرين لا يدركون كيف يتسرب النور إلى قلوب البشر ولا كيف تمازجها بشاشة الإيمان ولا كيف تلمسها حرارة اليقين. فهم لطول ما استعبدوا الناس يحسبون أنهم يملكون تصريف الأرواح وتقليب القلوب - وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء - .. ومن ثم فوجىء فرعون بهذا الإيمان المفاجئ الذي لم يدرك دبيبه في القلوب ولم يتابع خطاه في النفوس ولم يفطن إلى مداخله في شعاب الضمائر .. ثم هزته المفاجأة الخطيرة التي تزلزل العرش من تحته: مفاجأة استسلام السحرة - وهم من كهنة المعابد - لرب العالمين. رب موسى وهارون. بعد أن كانوا مجموعين لإبطال دعوة موسى وهارون إلى رب العالمين! .. والعرش والسلطان هما كل شيء في حياة الطواغيت .. وكل جريمة يمكن أن يرتكبوها بلا تحرج في سبيل المحافظة على الطاغوت: «قالَ فِرْعَوْنُ: آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ! إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها. فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ، ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ» ..
هكذا .. «آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ!» .. كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن تنتفض قلوبهم للحق - وهم أنفسهم لا سلطان لهم عليها - أو يستأذنوه في أن ترتعش وجداناتهم - وهم أنفسهم لا يملكون من أمرها شيئا - أو يستأذنوه في أن تشرق أرواحهم - وهم أنفسهم لا يمسكون مداخلها. أو كأنما كان عليهم أن يدفعوا اليقين وهو ينبت من
نام کتاب : وقفات على الطريق نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 136