نام کتاب : وجهة العالم الإسلامي نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 127
ولقد تحالف هذان العاملان اللذان نطلق عليهما: النزعة العلمية، والنزعة الاستعمارية ليصبحا قدراً مكتوباً على أوربا، كما صار علم الكلام قدراً على مجتمع ما بعد الموحدين.
وكان من شأن هذين التأثيرين، أن انزلقت أوربا إلى حمأة المادية، فما تمالكت أن حثت خطوها نحوها، يحدوها ما أحرزه العلم من ازدهار هائل مبدع. وكانت الفجوة بين هذا العلم الذي قلب الأوضاع، وبين الضمير التقليدي الناكص تزداد اتساعاً وعمقاً كلما جد جديد، أو حدث اكتشاف في ميدات العلوم. وغرق ذلك الضمير الذي طأطأ رأسه منذ نهاية القرن الثامن عشر أمام إله العلم فغمره فيضان علمي حقيقي في بداية القرن العشرين، استودع في النفسية الأوربية (طمياً) نما فيه الفكر الديكارتي، حتى انقلب أحياناً نزعة (ديكارتية) عقلية خطرة؛ لقد افتتنت (الذات) الأوربية بما حررت من قوى، فاستسامت لسحر عبقريتها.
ولكن هذه (الذات) قد قامت في الواقع بدور (تلميذ الساحر)، فلقد أبدعت آلات لم تستطع السيطرة عليها، ثم استنامت لتلك الآلات تقودها بعقل آلي، وتزدردها في أحشاء من حديد؛ فصارت الحياة أرقاماً، وأضحت السعادة مقيسة بعدد ما لديها من وحدات حرارية وهرمونات، وصار العصر عصر (كم) يخضع الضمير فيه للنزعة الكمية، كما صار عصر النسبية الأخلاقية، فقد استهل قرنه بالمبدأ القائل: ((كل شيء في الحياة نسبي))، فلم يعد أحد يدرك معنى (الفضيلة المطلقة)، بل إن الكلمة نفسها قد أضحت من المعميات، أضحت كلمة ميتة لا معنى لها، لأن القرن العشرين وهو قرن العقل الوضعي الذي يشبه عقل الآلة، لم يعد يفهم شيئاً وراء التصورات النسبية للمادة.
لقد مات معنى الفضيلة (المطلقة)، من الوجه الذي مات منه مفهوم (العدالة) في قول أحد الأوربيين: ((إن تسوية جائرة خير من قضية عادلة))،
نام کتاب : وجهة العالم الإسلامي نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 127