نام کتاب : وجهة العالم الإسلامي نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 159
لأنه لم يكن يفسر القرآن، بل كان يوحيه إلى الضمائر التي يزلزل كيانها، فالقرآن لم يكن على شفتيه وثيقة باردة، أو قانوناً محرراً، بل كان يتفجر كلاماً حياً، وضوءاً آخذاً يتنزل من السماء، فيضيء ويهدي، ومنبعاً للطاقة يكهرب إرادة الجموع.
ولم يكن الرجل يتحدث عن ذات الله، كما صورها علم الكلام، أي عن (الله) العقلي، بل كان يتحدث عن (الله) الفعال لما يريد، المتجلي على عباده بالرحمة والقهر، تماماً كما كان المسلمون الأولون يستشعرون حضوره فيما بينهم، ونفحته المادية في بدر وحنين.
فالحقيقة القرآنية تتجلى هنا بأثرها المباشر على الضمير، وبتأثيرها في الأناسي والأشياء.
و (الفكرة) التي كانت متجردة في قليل أو كثير، قد أخلت مكانها لتشغله (قيمة) مادية محققة، أعني: تركيب ناشط للفكر والعمل، وهما الأمران اللذان يقوم عليهما كل تطور في مجتمع يفكر في عمله، ويعمل بفكره.
فتعاليم الزعيم تجربة شخصية لا تستوحى من وثيقة؛ أعني من حروف القرآن، ولكنها تستقي معينها من نبع الوحي ذاته، وهي تجربة بدت ثمارها في صورة (الحقيقة العاملة)، في كل ميدان من ميادين الحياة، بل إنها في أساس هذه الحياة تغير نفسية الفرد.
ولقد أدرك الشباب المصري الذي طالما احترق بلهيب الخطب في المطالبة بحقوقه، أدرك أن الطريق الوحيد لنيل مطالبه هي طريق الواجب، فحقق إمكانياته، ومدى سيطرته على الأنفس والأشياء، ثم سلك هذه الطريق، وبذلك أصبح الداعية الذي تمس دعوته شغاف القلوب فتغير معالها، وتهديها إلى الطريق الأقوم (طريق الأخوة)؛ ودار الجهاز الضخم ليحرك بدوره وجوه
نام کتاب : وجهة العالم الإسلامي نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 159