نام کتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 345
مفرق الطريق بين من يسلم ابتغاء مرضاة الله وبين من يسلم لعرض من الدنيا
لقد كان القرآن ينشئ قلوبا يعدها لحمل الأمانة. وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع - وهي تبذل كل شيء وتحتمل كل شيء- إلى شيء في هذه الأرض. ولا تنتظر إلا الآخرة. ولا ترجو إلا رضوان اللّه. قلوبا مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية واحتمال، بلا جزاء في هذه الأرض قريب. ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة وغلبة الإسلام وظهور المسلمين!
حتى إذا وجدت هذه القلوب التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض شيء إلا أن تعطي بلا مقابل. وأن تنتظر الآخرة وحدها موعدا للجزاء. وموعدا كذلك للفصل بين الحق والباطل .. حتى إذا وجدت هذه القلوب، وعلم اللّه منها صدق نيتها على ما بايعت وعاهدت، آتاها النصر في الأرض، وائتمنها عليه. لا لنفسها. ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة، مذ كانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه ولم تتطلع إلى شيء من المغنم في الأرض تعطاه. وقد تجردت للّه حقا يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه!
وكل الآيات التي ورد فيها ذكر للنصر في الدنيا جاءت في المدينة. بعد ذلك. وبعد أن أصبح هذا الأمر خارج برنامج المؤمن وانتظاره وتطلعه. وجاء النصر ذاته لأن مشيئة اللّه اقتضت أن تكون لهذا المنهج واقعية في الحياة الإنسانية تقرره في صورة عملية محددة، تراها الأجيال. فلم يكن جزاء على التعب والنصب والتضحية والآلام. إنما كان قدرا من قدر اللّه تكمن وراءه حكمة نحاول رؤيتها الآن! (1)
وهذه اللفتة جديرة بأن يتدبرها الدعاة إلى الله، في كل أرض وفي كل جيل. فهي كفيلة بأن تريهم معالم الطريق واضحة بلا غبش، وأن تثبِّت خطى الذين يريدون أن يقطعوا الطريق إلى نهايته، كيفما كانت هذه النهاية. ثم يكون قدر الله بدعوته وبهم ما يكون، فلا
(1) - في ظلال القرآن للسيد قطب - ت- علي بن نايف الشحود [ص 4779]
نام کتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 345