نام کتاب : فكرة الإفريقية الآسيوية نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 39
وكان من النتائج السياسية لهذا الوضع وجود نوع من الحياة الديمقراطية يوزع- ولو نظرياً- المسؤولية الدولية، لا على أساس (القوة)، بل على أساس (البقاء) أو (الضمير).
وأوضح دلالة على هذا مثلاً، ذلك الجزء من المسؤولية الذي تتمتع به في الأمم المتحدة دويلة نصف مستعمرة، هي دولة (هايتي)، والذي خولها أن تقرر مصير الشعب الليبي. وأن تنتزعه من بين مخالب الاستعمار، على الرغم من إرادة بعض الكبار.
وإن إدراج مسألة الجزائر في جدول أعمال الأمم المتحدة، لشاهد آخر على هذا التطور، الذي يعد من الناحية المادية من عمل الكبار. ولكنه يخرج من أيديهم، حتى كأنه شيء لم يقدروا حسابه، فيقلب تقديراتهم، وتكهناتهم، وامتيازاتهم.
ولكن يجب أن نبين هذا الشيء- الذي لم يقدروه- بصورة عملية لكي نفهم ما يحتويه من شحنة متفجرة، ومدى تأتيره في الحالة الراهنة. ففي منطق حضارة هذا القرن، حيث يرد كل شيء إلى مقياس ((القوة)) وبالتالي إلى مقياس النصر أو الهزيمة، يجب أن نقول بأنه كأنه كان ((نصراً للشعوب المستعمَرة)) و ((هزيمة أوروبية))، لكي نفهم مبلغ أهميته في نفسية الغرب الحالية، وأنعكاساته على السياسة الاستعمارية خارج أوروبا، إنها نفسية حالة الاحتضار، أو هي تقريباً هذه الحالة، أعني الحالة التي يكون فيها الشعور غير المتعقل بالخطر القاتل، وما ينشأ عن ذلك من حسرة عارمة، سبباً في خلق رد فعل عنيف.
وليست الأحداث الدامية التي عاشها العالم منذ عشر سنوات- تلك الأحداث التي تتفاوت في عنفها وتلطخها، في إندونيسيا وفي مدغشقر وفي إفريقية الشمالية- إلا النمو التاريخي لتلك النفسية الاحتضارية.
نام کتاب : فكرة الإفريقية الآسيوية نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 39