نام کتاب : فكرة الإفريقية الآسيوية نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 99
ونظرة إلى خريطة البلاد التي اشتركت في المؤتمر ترينا الأهمية الاستثنائية لهذا الانقلاب والتحول الذي حدث للقوى، ويدرك بها جيداً رجل الاستراتيجية مثل دلاس أهميته الخاصة، حين يأخذ في اعتباره الوضع الجغرافي للعالم الأفرسيوي؛ واطراده ووحدته على الخريطة. فإذا حسبنا حساب المساحات والحشود الأفرسيوية من الناحية الاستراتيجية، لعلمنا أي ثقل خطير ألقى به مؤتمر باندونج في ميزان التاريخ.
فالعوامل الجغرافية السياسية الفعالة في الموقف تعبر في الواقع عن تحول حقيقي إلى السلام الذي فرضته قوة الأشياء، أعني السلام الذي فرضه منطق الوقائع المحسة المسيطرة على منطق الحرب. والحق أن الحرب تفقد منطقها هنالك حيث تفقد وسائلها التي هي المساحات الجغرافية والحشود البشرية. فإذا بباندونج حين سخرت المساحات والجموع الأفرسيوية لبناء حضارة، قد قلبت قلباً مادياً المنطق الذي كان يستدرج العالم إلى الحرب العالمية الثالثة، بل إنها قبل أي إفصاح عن النوايا بمجرد ثقل العناصر المؤتمرة في ميزانيات القوة قد قلبت المفاهيم الاستراتيجية، وخطط أركان الحرب على محور: واشنطن - موسكو.
ولكن هذا الانقلاب السلمي لم يحدث صدفة، بقوة عناصره وحدها وبفعل خمودها وحده، فإن هناك نية، وإرادة أكيدة للسلام، تتضح صراحة في نظرية سياسية هي: الحياد.
فإن هدف باندونغ العاجل، والاهتمام الشامل الناتج عن هذا الهدف قد تأكدا دون نزاع بالنسبة إلى البلاد التي أرسلت مندوبيها إلى المؤتمر، أو على الأقل بالنسبة إلى أغلبيتها، رغبة في الهرب من كابوس الحرب، ولارادتها بمقتضى ذلك أن تنظم نفسها، أي أن تدعم بجميع الوسائل وفي جميع الميادين فرص السلام.
وكل تأثير آخر للمؤتمر الأفرسيوي في نمو البلاد المشتركة فيه ينتج بصورة غير مباشرة عن الظروف العالمية وعن أسرارها الغيبية، وعن التداخل الطارئ للقوى الروحية والمادية لمليار من البشر التقوا واجتمعوا على هدف واحد، وعلى فكرة محددة هي: السلام.
نام کتاب : فكرة الإفريقية الآسيوية نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 99