وذكر الإمام القرطبي في تفسيره عن ابن المنذر، ومحمد بن سيرين قال: نبئت أنه قيل لسودة: لم لا تحجين ولا تعتمرين كما فعل أخواتك؟ فقالت: قد حجبت واعتمرت وأمرني الله أن أقر في بيتي، فو الله! لن أخرج حتى أموت.
قال الراوي: فو الله! ما خرجت من باب حجرتها حتى أُخرجت جنازتها. (1)
وعن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: لما سار عليُّ إلي البصرة دخل علي أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - يودعها، فقالت: سر في حفظ الله وكنفه فو الله! إنك لعلي الحق، والحق معك، ولولا أني أكره أن أعصي الله ورسوله فإنه أمرنا - صلى الله عليه وسلم - أن نقر في بيوتنا لسرت معك، ولكن والله لأرسلن معك من هو أفضل عندي وأعز عليًّ من نفسي ابني عمر. رواه الحاكم [2].
إذن القرار هو الراحة والطمأنينة وليس هو السجن كما يزعم أعداء الإسلام .. والبيوت مضافة لكم أيها النساء (في بيوتكن) فأنتم أولي بها من الرجال وإن كانت ملكا لرجالكم .. والله، والله أيمانا مكررة لا تنهض البيوت إلا بهذه القيم العظيمة التي تحمي المرأة من التبذل والامتهان أمام الرجال .. وتحمى الرجال من الإثارة.
والقرار في البيت أمر محبوب عند كثير من العقلاء، وصرحوا بذلك في شعرهم مثل كثير عزة قال:
أُحب من النسوان كل قصيرة ... لها نسب في الصالحين قصير (3)
- وقال:
وأنت التي حببت كل قصيرة [4] ... إليَّ وما يدري بذلك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطا شر النساء البحاتر (5)
(1) تفسير القرطبي. [2] في مستدركه - وقال صحيح علي شرط الشيخين ووافقه الذهبي في التلخيص 3/ 119.
(3) وقصر نسبها: أن تعرف بأول آبائها. [4] والقصيرة: هي المقصورة المحجوبة المخدرة.
(5) تثقيف اللسان وتنقيح الجنان للصقلي صـ358ـ.