لقد أولى شيخ الإسلام "سلاح العلم" و"رمح القلم اهتمامًا أولويًّا في مسار دعوته، ولم يقتصر على استقطاب "النخبة" أو "الصفوة" [1] -على حد تعبيرنا المعاصر-، وإنما تمدد اهتمامه البالغ حتى طال "رجل الشارع" -على حد تعبيرنا اليوم أيضًا-.
فقد أمرهم - أي عوامَّ أهل نجد - بتعلم أصول الإسلام وشرائطه، وسائر أحكام الدين، وأمر جميع أهل البلاد بالمذاكرة في المساجد كل يوم بعد صلاة الصبح وبين العشاءين بمعرفة الله، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة أركانه، ومعرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونسبه ومبعثه وهجرته، وأول ما دعا إليه كلمة التوحيد، وسائر العبادات التي لا تنبغي إلا لله، كالدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء والخشية والرغبة والتوكل والإنابة وغير ذلك، فلم يبق أحد من عوام نجد جاهلًا بأحكام دين الإسلام، بل كلهم تعلموا ذلك، بعد أن كانوا جاهلين إلا الخواص منهم".
لقد كان أهل نجد في نهاية من الجهالة والضلال فنشرف الدعوة فيهم علوم الشريعة المطهرة وآلاتها، وأصبحت الدرعية كعبة العلوم والمعارف وانتشر العلم في جميع الطبقات حتى قال المؤرخون: [1] لم تكن دعوة الشيخ دعوة "نخبوية" متعالية تستقطب الفئة المتعلمة فقط، أو تستهدف ذوي الوجاهة الاجتماعية والسلطة السياسية والقوة الاقتصادية، وإنما كانت دعوة "جماهيرية" تهتم بصياغة كل فرد في المجتمع صياغة جديدة، بحيث يتحول بعد تهذيبه من حجر خام مبعثر الأبعاد إلى لَبِنَةٍ قد هُذِّبت أبعادُها الستة، وصلحت لأن تكون جزءًا من البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضًا، وانظر: "السعوديون والحل الإسلامي" ص (95، 96).