كان من المستحيل أن يسكت الباشا على صوت الجبرتي المعادي، خاصة بعد ما فرغ من الجزء الرابع، وتناولته الأيدي بالنسخ، وفيه ما فيه من سب لعسكر الباشا، ومدح لجميع الأسرى الذين وصلو اللقاهرة، وقد رأينا مدحه "للمضايفي" ثم مدح "طامي" الذي قاتل وانتصر في بلدة قنفذة، ثم احتال عليه عميل للباشا حتى اعتقله وباعه له، فدخلوا به القاهرة: "وهو راكب على هجين، وفي رقبته الحديد والجنزير مربوط في عنق الهجن، وصورته رجل شهم، عظيم اللحية، وهو لابس عباءة عبداني، ويقرأ وهو راكب".
فوفقًا لتاريخ الجبرتي، نجد أن كل خصوم الدولة، أبطال تلوح عليهم الشهامة والنجابة، أتقياء لا تفتر ألسنتهم عن ذكر الله .. أما عسكر الباشا فهم كما رأينا من وصفه القاسي .. بل إن تشهير الجبرتي، يمتد ليشمل أولاد الباشا نفسه، فهو يسخر منهم، ومن كبار المسؤولين، لما خلعوه على أنفسهم من ألقاب فهو لا يعجبه قولهم عن أنفسهم: "مجاهدون وعائدون من غزو الكفار، وأنهم افتتحوا بلاد الحرمين، وطردوا المخالفين لديانتهم، حتى أن طوسون باشا، وحسن باشا، كتبا في إمضائهما على المراسلات بعد اسميهما لفظة (المغازي) والله أعلم بخلقه".
صحيح ... ولكنك [1] أيضًا، بفضل الله، علمتَ، وما كتمتَ علمك، ومنك علمنا أنك رفضت دعواهم، وأنك أفضل من كتب عن الوهابين. [1] يخاطب الأستاذ كشك هنا المؤرخ العظيم عبد الرحمن الجبرتي.