ثَالِثًا: بَدَهِيَّاتُ لُغَةِ التَّخَاطُبِ:
لقد نقل عبارتي: «وَلَوْ رَدُّوا الأَمْرَ إِلَى صَاحِبِ الأَمْرِ لَمَا تَنَازَعُوا .. لأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى عَنْ التَّنَطُّعِ فِي الدِّينِ وَدَعَا عَلَى هَؤُلاَءِ المُتَنَطِّعِينَ»، ثم علق على ذلك مُدَّعِيًا أن في هذه العبارة غموضًا .. إذ لم أكلف نفسي إيضاح ما أعنيه بالتطرف - هل هو الديني أو السياسي أو العلمي أو العاطفي -، ولعل القارئ لا يجهل أن من بدهيات القواعد اللغوية في التخاطب أن حذف المعلوم جائز، ومع هذا لم أحذف معلومًا لأن عنوان المقال " الإسلام بين التطرف والعلمانية " يُفْصِحُ عن أن الموضوع خاص بالتطرف الديني وليس التطرف العاطفي أو غيره.
رَابِعًا: صَاحِبُ الأَمْرِ عِنْدَ التَّنَازُعِ:
نقل الدكتور العُمُرْ قولي عن التطرف: «وَاحْتَكَمَ نَفَرٌ إِلَى الفَلْسَفَةِ العَقْلِيَّةِ الوَضْعِيَّةِ وَلَوْ رَدُّوا الأَمْرَ إِلَى صَاحِبِ الأَمْرِ لَمَا تَنَازَعُوا لأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى عَنْ التَّنَطُّعِ ...».
وقد ادعى أن في هذه العبارة غموضًا كسابقاتها، والغموض عنده أنني لم أفصح من صاحب الأمر الذي يرد إليه .. هل هو القرآن أو القرآن والسنة أم هما مع سيرة السلف ورجال الفقه واجتهاد الأئمة؟.
ولا يخفى على القارئ أن العبارة التي يدعي غموضها، فيها تصريح بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد نهى عن التنطع وَدَعَا على المتنطعين بالهلاك.
فصاحب الأمر هنا - وفي هذه المسألة - هو النبي، أي السنة النبوية، لأن هذه التفصيلات وردت في السنة، والقرآن قد أحال إليها في قول الله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [1].
وهذه بدهيات يعلمها الباحث المسلم وغير المسلم حتى لو لم يصرح بها المقال. ومن البدهيات أيضًا، في شريعة الإسلام أنه عند التنازع يرد الأمر إلى القرآن والسنة - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [1] [النحل: 44].
نام کتاب : تهافت العلمانية في الصحافة العربية نویسنده : البهنساوي، سالم علي جلد : 1 صفحه : 58