نام کتاب : تعريف عام بدين الإسلام نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 43
أن يجيب، وقلنا له: ما الكون؟ لقال، ان الكون هو هذه الأغشية التي تغشاني، وهذه الظلمات التي تحيط بي.
ولو قلنا له: ان هاهنا كونا آخر فيه شمس وقمر، وليل ونهار، وبر وبحر، وسهل وجبل، وصحاري قاحلة، وجنات عارشات. لما فهم معنى هذا الكلام ولو فهمه لما استطاع تخّيل حقيقته.
ومن هنا قال ابن عباس: "ما في الدنيا مما في الآخرة الا الاسماء". فلا خمر الآخرة كخمرة الدنيا، ولا حورها كنسائها، ولا نار جهنم كنارها، ولا الصراط الممدود على جهنم كالجسور الممدودة على الأودية والأنهار. فالقاعدة الرابعة، ان الخيال البشري لا يستطيع أن يُلمّ الا بما أدركته الحواس.
قواعد العقائد
القاعدة الخامسة
لما أبصرت العين العود المستقيم أعوج، وهو في كأس الماء، لم ينخدع العقل بما رأت العين، بل عرف أنه لم يزل مستقيما، ولما رأت التراب ماء في الصحراء، عرف العقل أنه سراب، وأنه ليس ماء ولكنه تراب. ولما أبصرنا ساحر (السيرك) يخرج من فمه مئة منديل، ومن كمّه عشرين ارنباً أدرك العقل أنها خدعة. فالعقل أصح حكما، وحكمه أبعد مدى، ولكن هل يحكم على كل شيء ويمتد مداه إلى غير ما نهاية؟
ان العقل لا يستطيع أن يدرك شيئاً، حتى يحصره بين اثنين: الزمان والمكان، فما لم ينحصر بينهما، لم يدركه العقل بنفسه. فلو قال لك مدرس التاريخ؛ ان حربا وقعت بين العرب والفرس، ولكنها لم تقع قبل الاسلام ولا بعده، ولم تقع في زمن من الازمان، ولكنها وقعت فعلا، لم تدرك ذلك ولم تصدقه، ولم تقبله. ولو قال لك مدرس الجغرافية؛ ان بلدة ليست في سهل ولا جبل، ولا في بر ولا بحر، ولا في أرض ولا سماء، ولا في مكان من الأمكنة، ولكنها موجودة - لم تدرك ذلك، ولم تصدقه، ولم تقبله.
فالعقل لا يحكم الا في حدود الزمان والمكان. فما كان خارجا عنهما من مسائل الروح، وأمور القدر، وآلاء الله وصفاته، فلا حكم للعقل عليه.
نام کتاب : تعريف عام بدين الإسلام نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 43