نام کتاب : بحوث ومقالات حول الثورة السورية نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 206
- يجب أن يوطن نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة، ولا يقوم بتجارة مادية قريبة الأجل! إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه طواغيت يملكون القوة والمال ويملكون استخفاف الجماهير حتى ترى الأسود أبيض والأبيض أسود!
ويملكون تأليب هذه الجماهير ذاتها على أصحاب الدعوة إلى الله، باستثارة شهواتها وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات! .. ويجب أن يستيقنوا أن الدعوة إلى الله كثيرة التكاليف، وأن الانضمام إليها في وجه المقاومة الجاهلية كثير التكاليف أيضا. وأنه من ثم لا تنضم إليها - في أول الأمر - الجماهير المستضعفة، إنما تنضم إليها الصفوة المختارة في الجيل كله، التي تؤثر حقيقة هذا الدين على الراحة والسلامة، وعلى كل متاع هذه الحياة الدنيا. وأن عدد هذه الصفوة يكون دائما قليلا جدا.
ولكن الله يفتح بينهم وبين قومهم بالحق، بعد جهاد يطول أو يقصر. وعندئذ فقط تدخل الجماهير في دين الله أفواجا.
لقد كان الهول الذي واجهه المسلمون في هذا الحادث من الضخامة وكان الكرب الذي واجهوه من الشدة وكان الفزع الذي لقوه من العنف، بحيث زلزلهم زلزالا شديدا، كما قال عنهم أصدق القائلين: «هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً» ..
لقد كانوا ناسا من البشر. وللبشر طاقة. لا يكلفهم الله ما فوقها. وعلى الرغم من ثقتهم بنصر الله في النهاية وبشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم، تلك البشارة التي تتجاوز الموقف كله إلى فتوح اليمن والشام والمغرب والمشرق .. على الرغم من هذا كله، فإن الهول الذي كان حاضرا يواجههم كان يزلزلهم ويزعجهم ويكرب أنفاسهم.
ومما يصور هذه الحالة أبلغ تصوير خبر حذيفة. والرسول - صلى الله عليه وسلم - يحس حالة أصحابه، ويرى نفوسهم من داخلها، فيقول: «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع. يشرط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجعة. أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة» .. ومع هذا الشرط بالرجعة، ومع الدعاء المضمون بالرفقة مع رسول الله في الجنة، فإن أحدا لا يلبي النداء. فإذا عين بالاسم حذيفة قال: فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني! .. ألا إن هذا لا يقع إلا في أقصى درجات الزلزلة ..
ولكن كان إلى جانب الزلزلة، وزوغان الأبصار، وكرب الأنفاس .. كان إلى جانب هذا كله الصلة التي لا تنقطع بالله والإدراك الذي لا يضل عن سنن الله والثقة التي لا تتزعزع بثبات هذه السنن وتحقق أواخرها متى تحققت أوائلها. ومن ثم اتخذ المؤمنون من شعورهم بالزلزلة سببا في انتظار النصر. ذلك أنهم صدقوا قول الله سبحانه من قبل: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ» ..
نام کتاب : بحوث ومقالات حول الثورة السورية نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 206