نام کتاب : بحوث ومقالات حول الثورة السورية نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 377
لقد ارتكب أبوه مجزرة كبرى في مدينة حماة ولمرة واحدة، فبنى مجده السياسي على الجماجم، ما بين شهيد ومعتقل ومفقود بعشرات الآلاف. أما في ظلال هذه الثورة الشاملة، فقد كرّر ابنه بشار حماة مصغّرة في كل مدينة، لاستعادة ذاكرة الرعب لدى الجيل القديم، وإعادة إنتاجه لدى أجيال الشباب الذين ولدوا بعدها ولا يعرفون عنها سوى الأقاصيص.
2 - كان حافظ يعيش في زمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، ورغم أنه كان حليفاً وثيقاً للسوفيات إلا أنه كان في الوقت نفسه عميلاً للأمريكيين، فهو على الأقل، يمثل الجناح اليميني في حزب البعث، وأدخل الجناح اليساري الذي يمثله صلاح جديد في السجن. وعلى الأكثر، كان يدرك تماماً كما كان حال السادات، أن أمريكا تملك معظم أوراق المنطقة بخلاف الاتحاد السوفياتي، لذلك كان يستند إلى السوفيات ويتطلع بوجهه نحو الأمريكيين، ويزعم أنه بطل الصمود والتصدي. وهذا الموقع المتذبذب بين القطبين جعله يستفيد من لبنان كساحة تنفيس لمشكلات سوريا وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية، فيما اتخذ من هذا البلد رهينة بكل ما فيه، وما يعنيه للغرب ولدول الخليج.
فلما جاء بشار، زاد على الطعام بهاراً فأفسده، في وقت لم يعد فيه سوى قوة عظمى وحيدة، فارتكب أخطاء قاتلة في لبنان ما اضطره إلى الخروج ذليلاً مدحوراً عام 2005. ثم كان الانفتاح عليه عام 2008، من طرف فرنسا والسعودية وتركيا ثم أمريكا، فازداد تكبراً وفجوراً، وعمىً على عمىً.
وكان خطؤه الأخير، قراءته المغلوطة للثورات العربية، واعتقاده أنه بمأمن من غضب الناس. لذلك، ورغم أن النظام درس ما جرى في تونس ومصر وليبيا وما يجري في اليمن، واتخذ الاحتياطات الوقائية في حال انتشار روح الثورة، إلا أن شدة الحذر أوقعته في المحذور منه.
4 - كان أبوه حافظ، في عصر الجدار الحديدي، وكانت الشعوب الواقعة تحت نفوذ المعسكر السوفياتي، أو في الدول التي تتشبه بالأساليب الشمولية، معزولة عن العالم الخارجي، والعكس صحيح. فلا يمكن لأحد أن يعلم حقاً ماذا يحدث خلف الجدران، ولا كانت الأنظمة تسمح لأحد بالوصول إلى أسرار الدولة كما تقول، حين كان توافر الخبز في الأفران يُصنّف ضمن المعلومات الحساسة.
لذلك، حين ارتكب مجزرة حماة المروّعة عام 1982 [4]، لم تتسرّب أخبارها إلا بعد أشهر، وكانت المعلومات مصفّاة ومقنّنة، فيما كان المطلوب أن تنتشر أخبارها كالنار في الهشيم وسط الناس حتى يخافوا ويعتبروا، علماً أن الاستخبارات الغربية كانت تعلم ماذا حدث، بوسائلها الخاصة ولم تحرّك ساكناًَ.
والغريب، أن بشار لم يفهم بعد أن الزمن قد تبدّل، وأنه في عصر الفايسبوك والتويتر، لا يمكنه إخفاء شيء، فحتى لو كانت الاستخبارات المختلفة تعلم دائماً ماذا يجري، إلا أن انتشار الصوت والصورة، رغم أنف السلطة الغاشمة، يشكّل ضغطاً على القوى الداعمة له، أو المتسترة عليه.
نام کتاب : بحوث ومقالات حول الثورة السورية نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 377