نام کتاب : العصبة المؤمنة بين عناية الرحمن ومكر الشيطان نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 275
إن وراء هذا التلاقي على غير موعد - بهذه الدقة وبهذا الضبط - لأمرا مقضيا يريد اللّه تحقيقه في عالم الواقع، ويدبر له هذا التدبير الخفي اللطيف ويجعلكم أنتم أداة تحقيقه، ويهيئ له جميع الظروف التي تيسر لكم القيام به! أما هذا الأمر المقتضى الذي دبر اللّه الظروف لتحقيقه فهو الذي يقول عنه: «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» ..
والهلاك يعبر به عن مدلوله المباشر، كما يعبر به عن الكفر. وكذلك الحياة فإنها قد تفيد مدلولها المباشر وقد يعبر بها عن الإيمان .. وهذا المدلول الثاني أظهر هنا، وذلك كما قال اللّه سبحانه في مثل هذا المعنى: «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها؟» ..
فعبر عن الكفر بالموت وعبر عن الإيمان بالحياة وجرى في هذا على نظرة الإسلام لحقيقة الكفر وحقيقة الإيمان. هذه النظرة التي أوضحناها بشيء من التفصيل عند استعراض هذه الآية من سورة الأنعام في الجزء الثامن [1].
ووجه ترجيح هذا المدلول هنا أن يوم بدر - كما قال اللّه سبحانه - كان «يوم الفرقان» وقد فرق اللّه فيه بين الحق والباطل - كما ذكرنا منذ قليل - ومن ثم فإن من يكفر بعدها فإنما يكفر في غير شبهة - يكفر عن بينة فيهلك عن بينة - ومن يؤمن بعدها فإنما يؤمن عن بينة واضحة تبرزها المعركة
إن الموقعة - بظروفها التي صاحبتها - تحمل بينة لا تجحد، وتدل دلالة لا تنكر، على تدبير وراء تدبير البشر، وعلى قوى وراءها غير قوة البشر .. إنها تثبت أن لهذا الدين ربا يتولى أصحابه متى أخلصوا له وجاهدوا في سبيله وصبروا وثبتوا، وأنه لو كان الأمر إلى القوى المادية الظاهرة ما هزم المشركون ولا انتصرت العصبة المؤمنة هذا الانتصار العظيم ..
ولقد قال المشركون أنفسهم لحليفهم الذي أراد أن يمدهم بالرجال وهم ذاهبون للقتال: «فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل اللّه - كما يزعم محمد - فما لأحد باللّه من طاقة»! ولقد علموا - لو كان العلم يجدي - أنهم إنما يقاتلون اللّه كما قال لهم محمد الصادق الأمين، وأنه ما لأحد باللّه من طاقة .. فإذا [1] - ص 1199 - 1201 من الجزء الثامن من الظلال. «دار الشروق».
نام کتاب : العصبة المؤمنة بين عناية الرحمن ومكر الشيطان نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 275