وتعففه وقناعته ونظافة ثيابه ومظهره حتى أصبح مضرب المثل مظهراً ومخبراً وعلماً وبذلك ذاع صيته وانتشر في الآفاق وتمسك في افتائه دائماً بالحديث، ولم يعمل الرأي إلا نادراً بل كان يكره الرأي مطلقاً ويقول: " الحديث الضعيف عندي خير من الرأي " (الوفيات (305: 3)) ، وقال الخلال تلميذ أحمد عنه: " كان أحمد قد كتب كُتب الرأي وحفظها ثم لم يلتفت إليها " (الايقاظ ص117) ، ومع ذلك كان أحمد معجباً بالشافعي جداً محباً له كما مر ليس لاشتهاره بالرأي ولكن لفهمه للنصوص، واستنباطه منها.
وهذه الدراسة الحديثية الواسعة للإمام أحمد لم تجعله فقط ملماً بأحكام الإسلام العملية وإنما برز في فهم عقائد الإسلام ومسائل الإيمان ولذلك تصدى بالرد لكل انحراف في عصره في العقيدة أو السلوك، فأنكر على رواد الصوفية في عصره الذين بدأوا يتكلمون في الوساوس والخواطر، ورد على الزنادقة، وحارب الجهمية النافين للصفات، ووقف صلباً شامخاً أمام المعتزلة الذين قالوا بخلق القرآن وأرادوا حمل الناس على ذلك بعد إغراء الخليفة المأمون.
وفي هذه الفتنة الأخيرة فتنة خلق القرآن صبر الإمام أحمد مع نفر قليل من إخوانه وتحمل السجن والتعذيب والضرب وناظر رئيس المعتزلة، ابن أبي دؤاد أمام الواثق بالله، وأظهر الله بالإمام أحمد الحق وزهق باطل المعتزلة ولم تقم لهم قائمة بعد هزيمتهم أمامه.