فقال الرجل للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: إني سائلك فمشددٌ عليك في المسألة، فلا تجد عليَّ في نفسك، فقال -صلى الله عليه وسلم- له: سَلْ ما بدا لك، فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: اللهم نعم، فقال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: اللهم نعم، فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأَنَا رسول مَن ورائي مِن قومي، وأنا ضِمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر)).
والشاهد من ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجلس في المسجد، وكان يأتي إليه أصحاب الحاجات ومن يودون أن يتعلمون العلم، فيسألون رسول الهدى والرحمة -صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: ((أن رجلًا قام في المسجد فقال: يا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من أين تأمرنا أن نهل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن)).
ب- المسجد دار للقضاء:
أقول: إن كان المسجد دار إفتاء، فهو أيضًا دار للفصل بين المتخاصمين، وللقضاء العادل بين المتنازعين، حيث يأمن فيه كل إنسان على نفسه، ويطمئن إلى أخذ حقه، قال تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} (ص: 21، 22).
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تبارك وتعالى- في تفسيره: ليس في القرآن ما يدل على القضاء في المسجد إلا هذه الآيات، وبها استدل من قال بجواز القضاء في