متقلدي السيوف، عامتهم بل كلهم من مضر، فتمعَّر وجه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لِمَا رأى بهم من الفاقة فدخل، ثم خرج، فأمر بلالًا فأذن وأقام، فصلى، ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره -حتى قال -صلى الله عليه وسلم-: ولو بشق تمرة، فجاء رجل من الأنصار بِصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يتهلل كأنه مُذهبه -صلى الله عليه وآله وسلم- وذلك من الصفاء والاستنارة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: مَن سن في الإسلام سنه حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليها وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا)) وهذا الحديث في مسلم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((أصيب سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه- يوم الخندق، رماه رجلٌ من قريش -يقال له: ابن العرقة- في الأكحل -والأكحل: عرق في اليد- فضرب عليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- خيمة في المسجد؛ ليعوده من قريب)).
وهذا يدل على أن المسجد في عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان دارًا للرعاية الاجتماعية والصحية.
وهكذا يجب أن تكون مساجد المسلمين اليوم، تشفي وتغلي، وتقدم النافع والمفيد للمسلمين في شتى مجالات الحياة، وعلى أهل الإسلام -وعلى الدعاة منهم بوجه أخص- أن يعتنوا برواد المساجد، وبالأحياء التي تكون حول هذه المساجد، وأن يقدموا لها الخدمات الجليلة النافعة.