ونحر الأضاحي والزكاة، وَحُوِّلَتْ فِيهَا الْقِبْلَةُ، وأحلت الغنائم للمجاهدين، وفي السنة الثالثة كان تشريع أحكام المواريث وأحكام الطلاق، كما شرع الله قصر الصلاة في السفر وفي الخوف، وعقوبة الزنا، وأنزل الله أحكام التيمم والقذف، وكان أخيرًا فرض الحج.
وفي السنة السادسة أيضًا بَيَّنَ اللَّهُ أَحْكَامَ الصلح والإحصار، وفيها حرم الله الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، كما حَرَّمَ بعد ذلك الْحُمْر الإنسيَّة، وذلك في السنة السابعة من الهجرة النبوية، وَشَرَعَ أحكام المزارعة والمساقاة، وحد السرقة واللعان، وَمَنَعَ الكفار من دخول مكة، وفي السنة العاشرة حرم الربا تحريمًا، لا خفاء فيه.
النوع الثاني: التدرج في تشريع الحكم الواحد، فكثير من الأحكام لم تُشْرَعْ كما هي عليه الآن من أول الأمر، بل تَدَرَّجَ الشارع في شرعها، فالصلاة -مثلًا- فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ في أول الأمر، ثُمَّ زِيدَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَأُقِرَّتْ في السفر؛ ففي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثم هاجر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- فَفُرِضَتْ أَرْبعًا وَتُرِكَتْ صَلَاة السفر على الفريضة الأولى)).
وَلَمْ تُبَيَّنْ أحكام الصلاة جملةً واحدة، بل فصل الله ذلك على فترات، وكذلك الزكاة والصيام والجهاد والخمر؛ لم يحرمها الله مرةً واحدة، ولكنها حُرِّمَتْ على أحوال؛ فقد بين الله أولًا إِثْمَ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَنَّ شُرْبَهَا أعظم من نفعها -إن كان فيها نفع- ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَرَّم تناولها قرب الصلاة، فلا يجوز قربان الصلاة حال السكر، ثم حرمها بعد ذلك تحريمًا قاطعًا.
وكل ذلك تدرج في الأحكام؛ حتى يقبل العباد الأحكام الشرعية، ويقبلوا عليها دون مللٍ أو تدرج، فَلَوْ حرمت الخمر في بادئ الأمر أول مرة أو مرةً واحدة ربما