دار كفر معادية للإسلام والمسلمين، والمسلم ليس آمنًا على دينه وعلى نفسه وماله، والحق أنّ المسلمين قد استفادوا من جوِّ الحرية العقدية المتاح في الحبشة، والذي لم يتوفّر في مكة، فعاشوا فيها آمنين على دينهم وأنفسهم.
ونجد من الواجب علينا هنا أن نستدرك فنقول: إنَّ الحياة في أيّ بلد غير إسلامي توفر الأمن فيه للدعاة يجب أن يكون بعيدًا عن التنازل عن أي شيء من هذا الدين، سواء كان عقيدة أو شريعة، وهذا ما وقفه المهاجرون بقيادة جعفر حينما سئلوا عن عقيدتهم في عيسى.
خامسًا: السرية والسرعة في الحركة وسيلة النجاح في مهمة الهجرة إلى الحبشة:
لقد خرج المهاجرون أفواجًا أفواجًا، ولم يخرجوا جميعًا في وقت واحد، وتجمَّعت هذه الأفواج حتى بلغت ثلاثة وثمانين رجلًا وتسع عشرة امرأة، ولقد تسلّل هؤلاء في الخفاء على شكل أفواج، فوجًا بعد فوج، حتى لا تشعر قريش بهم، وتسمع بخبرهم، فتهب لمنعهم من الهجرة، وتستمر في فتنتهم، وتزداد في تعذيبهم، ويوم أن علمت قريش متأخرة بخروج الفوج الأوّل إلى الحبشة سارعت إلى البحر لتمنعهم، وإذا هم قد ركبوا السفينة، وأخذت تبحر بهم في عباب البحر، فرجعوا خاسرين.
سادسًا: البطارقة قوم مرتشون، كان هذا شائعًا عند المشركين وعند غيرهم، ولقد سجّل القرآن هذه الصفة الذميمة لهم بقوله: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} (التوبة: 34) وهذه الصفة يخبرك بها أيضًا أحداث هذه الهجرة؛ إذ حمل عمرو بن العاص وزميله هدايا إلى البطارقة؛ كرشوة لهم حتى يؤيدوهم عند النجاشي فيما يريدون من إعادة المهاجرين إلى مكة، وقد نجح في التأثير عليهم بذلك، فوقف البطارقة يؤيدون طلب عمرو بن العاص وزميله في إعادة المهاجرين من الحبشة إلى مكة.