الله -صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر: لا عين عليك، إنما هما ابنتاي، وفي لفظ: أهلك، فقال: إن الله قد أذن في الخروج والهجرة. فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال: نعم، قالت عائشة: فوالله ما أنّ أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ.
وفي هذا اللقاء تمَّ الاتفاق على خُطَّة الخروج من مكة، وعاد إلى بيته -صلى الله عليه وسلم، غادر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيته في ليلة سبع وعشرين من شهر صفر، سنة أربعة عشرة من النبوة، الموافق الثاني عشر والثالث عشر من سبتمبر سنة ستمائة واثنين وعشرين من الميلاد.
وأتى دار الصديق، ومنها خرَج إلى الغار، وتقدَّم معنا أنَّ الصديق قد جهَّز راحلتين منذ فترة لهذه الساعة، ساعة ميلاد الدولة الإسلامية، فقال الصديق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((خذ إحدى راحلتي هاتين، فقال -صلى الله عليه وسلم: بالثمن، لا أركب بعيرًا ليس لي، قال: هو لك، قال: ولكن بالثمن، قال: أخذتها بكذا وكذا، فقال: أخذتها بذلك))، وقيل: بأنّ هذه الراحلة هي الجدعاء، وكان الثمن ثمانمائة درهم، قالت عائشة: فحهزناها أحثّ الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فشقّت أسماء بنت الصديق قطعة من نطاقها لتربط به القربة، وقد عرفت بذات النطاقين.
وروي أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن لها نطاقين في الجنة)) واستأجرا رجلًا ماهرًا بالطريق، وواعداه بعد ثلاث في الغار، وقد أمناه وهو على كفره، وقد أسلم بعد ذلك، واسمه عبد الله بن أريقط، وخرج الصديق بجميع ماله، وكان خمسة آلاف درهم؛ لينفقه في سبيل الله، كما أنفق أكثر من خمسة وثلاثين ألفًا قبل ذلك في سبيل الله، وقد خرجا من بابٍ خلفيّ في بيت الصديق، متنكرين، وفي