وصل المطاردون إلى فم الغار، فقد روى البخاري عن أبي بكر قال: ((كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغار، فرفعت رأسي، فإذا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ رأسه رآنا، قال: ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)).
وقد روي أنَّ الله أمر شجرة فنبتت في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم، فسترته، وأمر حمامتين فوقعتا في فم الغار، وأنّ العنكبوت نسجَت على بابه، وقد ضعَّف بعضهم هذه الروايات من حيث الإسناد، والله -تبارك وتعالى- قادر على كل شيء.
وحين خمدت نار الطلب، وتوقفت أعمال دوريات التفتيش، وهدأت قريش بعد استمرار المطاردة ثلاثة أيام بدون جدوى، تهيّأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه للخروج.
فلمَّا كانت ليلة الاثنين غرة ربيع الأول السنة الأولى من الهجرة، الموافق السادس عشر من سبتمبر سنة ستمائة واثنين وعشرين من الميلاد ارتحلا، وارتحل معهما عامر بن فهيرة لخدمتهما، وأخذ بهما الدليل على طريق الساحل.
وروى البخاري عن الصديق -رضي الله عنه- قال: ((أسرينا ليلتنا ومن الغد، حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق لا يمرّ فيه أحد، فرُفِعَت لنا صخرة طويلة، لها ذيل لم تأتِ عليها الشمس)) الحديث. فنزلوا تحت ظلها بعدما سوّى الصديق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكانًا، وأعدَّ له فراشًا، ثم بدا الصديق يستكشف المكان، ويبحث عمَّن حوله، فوجد راعيًا عنده غنم، فحلب له لبنًا قدِمَ به على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فشرب منه -صلى الله عليه وسلم، ثم قال للصديق: ألم يأن الرحيل؟ قلت: بلى، قال: فارتحلنا.
حاول سراقة بن مالك الظفر بالمكافأة، فلاحظ وهو جالسٌ في قومه مرور الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصديق معه، فخرج مسرعًا في أثرهما، وكلما قاربهما ساخت أقدام فرسه في التراب، يقول سراقة: فناديت بالأمان فوافقا.